سأل أحمد نجيب الشابي صباح يوم الاثنين عن سرّ اختفاء الرئيس التونسي، فظهر قيس سعيّد عصراً. ظهر ليتأكد التونسيون أن الرجل يبقى هو هو، أكان مريضاً أم بكامل عافيته، على الموعد مع الشعبوية والشتم وبثّ الكراهية في كل أمر ينطق به. ظهر الرجل ليقلب المقاييس: رئيس جمهورية يختفي لـ12 يوماً من دون أن تتكرّم مؤسسات الحكم بالكشف إن كان في مهمة خارجية أو في إجازة خاصة، وتنشر وكالات أنباء وصحف جدية أنباءً عن مرضه، فلا تعلّق الرئاسة أو أي مؤسّسة أخرى تأكيداً أو نفياً، لا بل تصبح المشكلة في مَن يطالب بمعلومات عن الوضع الصحي لرئيس الجمهورية، لا في هذا الصمت الذي يليق بأنظمة الطغيان حيث يعتبر رئيس الدولة أن الحكم وقدرة الحاكم على تولي مهامه وأهليته النفسية والعقلية والصحية شأن خاص به وحده.
أحمد نجيب الشابي يعرف قيس سعيّد وأخلاقه تمام المعرفة، لكنه رغم ذلك يرهق نفسه بأعوامه التسعة والسبعين عندما يتحدّث في بديهيات هي ليست كذلك في بلداننا، كأن يسأل عن الوضع الصحي لقيس سعيّد (65 عاماً) الذي اختفى حسّه منذ مطلع شهر رمضان. ألمح الشابي إلى مرض سعيّد، ربما استناداً إلى ما نشرته وكالة الأنباء الإيطالية (نوفا) عن عملية جراحية أجراها الرئيس المدخّن لقلبه قبل أيام إثر نوبةٍ أصابته، وأسكنته المستشفى منذ يوم الخميس. يقول المعارض الأبرز إن على "الحكومة أن تواجه الرأي العام لتقول هل هناك أسباب صحيّة جعلت الرئيس يتغيّب عن الأنظار" (منذ 22 مارس/آذار الماضي)، مع علم الشابي أن كلاماً كهذا، كأي كلام لا يعجب الديكتاتور المريض، المريض بالأنا وبجنون العظمة قبل علّة القلب، يمكن أن يؤدّي بصاحبه إلى الاعتقال، وهو ما أعلن سعيّد نيته فعله في فيديو ظهوره يوم الاثنين بصحبة رئيسة حكومته نجلاء بودن. لكن الشابي، في إحاطته عن تغيّب الرئيس ــ الصنم عن المشهد، يذكّر بواحدة من سخافات دستوره، وهو أنه "يجب أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية رئاسة الدولة في حال بقي الرئيس عاجزاً حتى إجراء انتخابات رئاسية جديدة"، أي إن أصابه عجز دائم. لكن الفضيحة مزدوجة مع قيس سعيّد، فلا شاغل رئاسة المحكمة الدستورية منتخَب لكي يتمكن من أن يحكم في نظام يدّعي أسياده أنه ديمقراطي، ولا المحكمة الدستورية تأسّست أصلاً، لأن قيس سعيّد لم يعيّن أعضاءها. والعجز عن تأليف محكمة دستورية ظلّ نقطة الضعف القاتلة لمرحلة العشرية الديمقراطية في تونس. لكن لأصحاب الذاكرة الحية أن يُخبروا كيف أن قيس سعيّد، عندما صدّق البرلمان التونسي الذي حلّه الانقلاب، على تعديل قانون المحكمة الدستورية، لكي يتم تخفيض الأغلبية المطلوبة لانتخاب أعضائها من 145 إلى 131 نائباً، وبالتالي تسهيل إنشاء المحكمة شديدة الأهمية في أي نظام ديمقراطي، رفض الديكتاتور قبل عامين من اليوم التصديق على القانون الجديد بحجج شكلية تتعلق بالمهل الدستورية. لكن حين أنجب انقلاب قيس سعيد ما يُسمّى تجاوزاً "دستوراً"، عُرف السبب الحقيقي لإحباط الرئيس تسهيل شروط تأليف المحكمة الدستورية، ذلك أن تلك المحكمة في "الدستور" الجديد سُحبت منها كل الصلاحيات الحقيقية، وحُوِّلَت إلى مجرّد مكتب يعمل لخدمة رئيس الجمهورية الذي يعيّن قضاتها غير المختصين في القانون الدستوري، والذين لا يحق لهم إقالته أو محاسبته أو مراجعة قرار يتخذه. وهنا بيت القصيد على الأرجح، فالمحكمة الدستورية، لو سمح سعيّد بتأليفها قبل انقلاب يوليو/ تموز 2021، لكانت الوحيدة القادرة نظرياً على إبطال جرائمه الدستورية. أما التزام السلطات الأمنية والعسكرية تنفيذ أوامر المحكمة تلك، فذلك شأن آخر.
سامح الله أحمد نجيب الشابي الذي سبّب سؤاله انتهاء فترة استراحة التونسيين من العذاب الذي يشكّله ظهور هذا الرئيس للعَين وصوته للأذن، ودوماً بالعربية الفصحى.