للوهلة الأولى، يبدو عنوان المقال غريباً، فلا عمل ولا تخصص ولا جغرافيا يجمعان بين مستشفى العلوم العصبية، الذي يحمل اسم الطبيب العراقي المعروف سعد الوتري، وبين رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، لكن زيارة واحدة الى مستشفى سعد الوتري، أو أي مستشفى آخر في بغداد، ومعايشة الحالات الواردة اليه، تدفعك لإجراء مقاربة بين الحالة العراقية والحالة الماليزية. وربما لا تجهد كثيراً للبحث عن الأسباب التي دفعت مهاتير الى ان يبدأ مشواره رئيساً للوزراء في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، بتخصيص ما يقارب ثلث الناتج المحلي لبلاده الى قطاع التربية، والذي قطف ثماره مبكراً لينقل واقع بلاده المنهك، الى بلد غني بموارده، متحضر بشعبه، استطاع بجدارة ان يحجز مقعداً في مقدمة العالم. لم تمض أكثر من عشر سنوات، حتى نهضت ماليزيا من كبوتها، وبدأت تقطف ثمار التعليم، فالجريمة تراجعت بشكل كبير، وتراجع معها عدد الدعاوى القضائية المعروضة أمام المحاكم.. انخفض الضغط على القطاع الصحي بنسبة 70 بالمئة، ولم تعد الدوائر البلدية بحاجة الى جهد كبير –كما في السابق- بسبب تنامي ثقافة الشعب، والحال امتدت لباقي جوانب الحياة. (رباط السالفة)، ليلة واحد تقضيها مرافقاً لمريض في احد مستشفيات بغداد، تكفي لتتعرف على أبرز مشكلات المجتمع، وفي مقدمتها قلة الوعي لدى شريحة غير قليلة من هذا المجتمع، بحيث تبدد أية جهود أو أموال تنفقها الحكومة لتوفير الخدمات والنهوض بالواقع الصحي في المؤسسات. الحمامات هناك ربما تحولك من مرافق أو مراجع الى نزيل سرعان ما يتطلب ان ترقد في احدى ردهات المستشفى، بسبب حجم الاوساخ وتراكم النفايات والمخلفات، وحينها ستعاني من شح الدواء وتشكل عبئاً مضافاً الى الملاك الطبي، الذي يحاول -دون جدوى- توفير العناية اللازمة للمرضى. الحال لا تختلف كثيراً مع حدائق المستشفى، التي تتحول خلال ساعات الليل الى ملتقى ومحطة استراحة لمرافقي المرضى، في مشهد لم أره الا في الاحياء الفقيرة بالهند قبل عقود.الماليزيون الذين كانوا بالأمس القريب، يستحمون في الشوارع والأماكن العامة ويقضون فيها حاجاتهم، رأيتهم قبل سنوات في مصر، حيث أكمل دراستي العليا في جامعة عين شمس، يخرجون ليلاً لتنظيف الشوارع والباحات القريبة من اقامتهم، ولسان حالهم يقول : هذه نتائج قرار مهاتير.. وفي النسخة العراقية، خصصت الحكومة ومجلس النواب ما نسبته (5 بالمئة) من حجم الموازنة لقطاع التربية والتعليم، ثم رفعت النسبة الى (8 بالمئة) في موازنة 2024، وهو ما يشكل أقل من نصف الموازنة المخصصة لقطاع الأمن، الأمر الذي يجعلك محبطاً ويقطع الطريق أمام أي محاولة لخلق جيل واع، كما في تجربة ماليزيا ومهاتير، وتكتفي بالدعاء ان يجنبك الله عزوجل مراجعة المستشفى أو مرافقة مريض في احد مستشفيات بغداد. والله من وراء القصد.
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"