15 Jan
15Jan

يقصد بالتصديق، هو السلطة التي يتمتع بها رئيس الدولة، يشارك بموجبها في التشريع عن طريق إقرار القانون الذي سنته الهيئة النيابية.


يعد التصديق، المرحلة النهائية التي يتحول عندها مشروع القانون الى قانون واجب التصديق، ويتم من خلال امضاء رئيس الجمهورية عليه.


منحت المادة (73/ثالثا) من دستور العراق لسنة 2005، الحق لرئيس الجمهورية بالمصادقة على مشاريع القوانين التي يسنها مجلس النواب العراقي حيث جاء نصها الاتي : “يصادق ويصدر القوانين التي يسنها مجلس النواب ويعد مصادقا عليها بعد مضي خمسة عشر يوما من تاريخ تسلمها”.


بيد ان هذا النص لم يكن واضحا بشأن سلطة التصديق، هل هي سلطة شكلية، وبالتالي لا يمتلك رئيس الجمهورية الحق في الاعتراض على التصديق ام هي سلطة تقديرية يمنح بموجبها لرئيس الدولة الحق في الاعتراض على تلك القوانين وعدم اقرارها او تصديقها؟


هذا الغموض وعدم التفصيل في النص المذكور أعلاه دفع رجال الفقه والقانون الى الانقسام في الراي الى اتجاهين اثنين:


الاتجاه الأول :. وهم أصحاب الراي الناكر لمنح رئيس الجمهورية اختصاص الامتناع عن تصديق و اصدار مشروعات القوانين. حيث يرى هذا الاتجاه، بان على رئيس الجمهورية المصادقة على القوانين التي يصدرها مجلس النواب العراقي، وليس من حقه الامتناع عن هذا التصديق، حيث يعد المصادقة عملا شكليا، ذلك ان الدستور لم يمنح رئيس الجمهورية حق الامتناع والاعتراض على التصديق صراحة وانما على عكس ذلك حيث اشارت المادة 73 الى ان عدم التصديق بعد مضي 15 يوما من تاريخ تسلم مشروع القانون من قبل مكتب الرئيس، يعد بمثابة المصادقة عليه وان لم يحصل.


ويستند هذا الاتجاه في تدعيم رايه، على انه لا يوجد في الدستور نص يمكن الاستفادة منه للقول بامتلاك رئيس الجمهورية مثل هكذا صلاحية، مما يعني عدم صحة اي امتناع عن التصديق يمكن ان يرد من رئيس الجمهورية على اي قانون يسنه مجلس النواب.


الاتجاه الثاني:. وهم أصحاب الراي المؤيد لمنح رئيس الجمهورية اختصاص الامتناع عن تصديق مشروعات القوانين. وقد استند أصحاب هذا الراي في ذلك الى نص المادة 138 من الدستور العراقي، حيث لا يوجد نص صريح بإلغائها إضافة الى انها تعد مكملة لما ورد في المادة 73 من الدستور كما يذهب هذا الاتجاه الى القول، ان التصديق من قبل رئيس الدولة على مشاريع القوانين المقدمة من قبل مجلس النواب انما هو اجراء يتفق ومبدا الفصل بين السلطات كونه أداة للتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الأنظمة البرلمانية، فلا يكفي لاحترام المبدأ، ان تباشر كل سلطة الاختصاصات التي حددها الدستور وانما لابد من مشاركة سلطات الدولة المختلفة لبعضها البعض كنوع من أنواع الرقابة الوقائية والتدقيق، اذ ان منح رئيس الجمهورية مثل هذه السلطات قد يؤدي الى الاعتداد بملابسات خاصة تم اغفالها حينما اقر مشروع القانون من قبل مجلس النواب العراقي وبالتالي سوف يمنع ذلك من اصدار قوانين غير مشروعة اومتناقضة في نصوصها بعضها مع البعض الاخر.


هذا الخلاف والنقاش جرى بين رجال الفقه والقانون الدستوري، ولكن يثار التساؤل هنا حول موقف القضاء من هذه المسألة؟


اجابت على هذا التساؤل المحكمة الاتحادية العليا، وهي الجهة القضائية المختصة بتفسير نصوص الدستور على هذا التساؤل بناء على طلب استفسار مقدم من قبل مكتب نائب رئيس الجمهورية في 29/3/2009 وقد اصدرت قرارها في هذا الخصوص والمتضمن ان المادة 73 من الدستور قد أوردت الصلاحيات التي يتولها رئيس الجمهورية ومنها ما ورد في الفقرة ثالثا من المادة انفة الذكر ولم يكن من بينها منح رئيس الجمهورية صلاحية النقض وعدم التصديق على مشاريع القوانين.


والحقيقة نحن لا نتفق مع راي المحكمة الاتحادية العليا، حيث عدم الإشارة الى حق الاعتراض من قبل المشرع لا يعني عدم تمتع رئيس الجمهورية بهذا الحق حتى وان لم يذكر بشكل صريح.


خاصة وان هنالك حالات في الواقع العملي دفعت رئيس الجمهورية السابق جلال طالباني الى الامتناع عن تصديق مشروع قانون لتعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 في عام 2010. كذلك فعل الرئيس فؤاد معصوم برفضه المصادقة على الموازنة المالية لعام 2018.


من كل ما تقدم، نرى بضرورة منح رئيس الجمهورية صلاحية رفض التصديق على مشاريع القوانين التي يقرها البرلمان وان يكون هذا نسبيا وليس مطلقا لكونه يمثل نوع من انواع الرقابة التي تمارسها السلطة التنفيذية تجاه السلطة التشريعية.


* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة