يُقال ان الاشياء لا تتسم بالعالمية، ما لم تلامس سكان العالم كلهم، وتعبر فوق ألوانهم وأشكالهم وما يعتنقون من مذهب وما يعتقدون به من افكار، فكل شيء يمكنه ان يجمع الناس بهذه الكيفية يسمى عالمي، فالموسيقى هي لغة عالمية، ليست بحاجة الى ترجمة لتصل الى وجدان الناس، كذلك مقطوعات الأدب العالمي، سُميت عالمية لانها تعبر عن الانسان وما يحمله من هموم، و ما يروم اليه في كل زمان ومكان و بما يحمله من انسانية، من الشرق او الغرب، فهي القاسم المشترك بين البشر.
كذلك الأمام الحسين (عليه السلام) لم يكن رمزاً أسلاميا، او عربياً او يمثل مذهباً يوما ما، بل كان مشروعاً للأنسانية منذ البداية، فقد أُختير له هذا الدور ليلعبه، وهذه المكانة ليشغلها وهذا المقام ليعتليه بلا منافس منذ اليوم الاول لولادته.
والدليل على ذلك لا يذكر لنا التأريخ بشكل واضح عزاء يتجدد بهذه الحرارة بعد الاف سنة لرجل عاش في هذا الكون، الأ للأمام الحسين، لذلك لم تعد أطروحة الأباء والثورة على الطغاة وصور البطولة والشجاعة التي سطرها الأمام الحسين وآله وصحبة، تفي لشرح او تعليل ما يحدث كل عام على طريق كربلاء.
من مشاهد البذل والعطاء في طريق الزيارة الاربعينية للأمام الحسين، فّلم يعد الأمر طقسا دينياً او أحياء لشعيرة مذهبية، بل أصبحت ظاهرة إنسانية ونقطة جذب للبشر من مختلف انحاء العالم، فهو حدث عالمي، يتجدد وينمو ويفور بشكل متصاعد كل عام، نفهم من ذلك أن الحسين عالمي الوجود، يوجه رسائل للعالم من خلال المسيرة تحمل مداليل أهمها؛ ان البقاء للفضيلة لا للرذيلة، ان البقاء للإباء لا للخذلان والميعة، ان البقاء للعفة لا للتهتك والعري، ان البقاء للفطرة السليمة لا للشذوذ والمثلية، الذي يتجه العالم الغربي بهذه الموجه نحو الهاوية.
فالزيارة الحسينية هي بوصلة الإنسانية الصحيحة، والحدث العالمي، الأكثر أحقية بتسليط الضوء الإعلامي العالمي عليه، بدل من تسليط الضوء على احداث أخرى وشغل منصات الأعلام بمشاهد سطحية، ومهرجانات العُري، بل الأسوأ هو محاولة البعض الى تشويه هذا المسير من خلال، نشر ونقل مشاهدات سلبية، لا تمثل هذا الرّكب.
تتمثل عالمية الحدث في عدة نقاط أهمها: إنه التجمع البشري الأكبر عالمياً. إنه التجمع البشري الأكبر الذي لا ينفق به الناس من أجل المأكل او المشرب او المبيت! وهو بذلك يتعدى ميزانية الدول المجاورة _ إنه التجمع البشري الأكبر عالميا الذي يكون بانسيابية عالية في مدينة تعد صغيرة نسبياً، ومع ذلك تستوعبهم بنهاها التحتية وتكاد تخلو من الحوادث .
كل ما تقدم تنفرد به الزيارة الأربعينية بشكل عالمي، فلا يوجد حدث في العالم يتم بهذه الطريقة مطلقا.
لم يعد الجانب المادي وما يقدمه الفرد العراقي في سبيل احياء هذه الشعيرة، هو محور الدراسة كيف؟ ولماذا؟ ومن أجل من؟ بل هناك جانب روحي معنوي هو من يقود هذه الجموع المليونية ويحملها على المسير على الاقدام مئات الكيلومترات تحت حرارة الشمس وفي الجانب الأخر من الطريق الالاف التي تقوم بالخدمة بشكل جنونّي لأظهار الزيارة الاربعينة بهذا الشكل للعالم.
بادرت هذا العام وبشكل مسبوق المؤسسات الإعلامية العراقية متمثلة بهيأة الاعلام والاتصالات العراقية التي أرسلت بدورها دعوات رسمية لعدد كبير من الصحفيين والإعلاميين العرب والقنوات الأجنبية، لتغطية هذا الحدث من على ارض الواقع، كذلك عقدت مؤتمراً ضم العديد من المحللين السياسيين، للنظر في الزيارة الأربعينية كونها الحدث المجتمعي الأبرز وأعاده دراسة المجتمع العراقي وفق الرؤية الأربعينية الحسينية.
وقد يسأل سائل ماذا قدمت لكم هذه الزيارة، في عالم يعاني شح بالموارد، وندرة بالغذاء ونقص بالمياه الصالحة للشرب، وتوجه عالمي لأقصاء البشرية للوصول الى المليار الذهبي!
أولا:- في ظل عالم يُسوق للجوع و(لتصنيع اللحوم في المعامل) بحجة انها الأفضل والأرخص وبحجة ان الانسان لا يمكنه استهلاك اللحوم الى ما لا نهاية، يطبخ خدمة الحسين اجود أنواع اللحوم ( الطبيعية) على مبدأ الوفرة وليس الندرة!
ثانيا:- في الوقت الذي يسوق الأعلام الأصفر موجة الكراهية والعنصرية بين المسلمين وغير المسلمين في العالم، يفتح الناس في العراق بيوتهم للغرباء للمبيت والراحة بل ويقومون على خدمتهم، وتزداد مشاهد الالفة والمحبة بين الناس بشكل لا يمكن فهمه او تفسيره، على الرغم من اختلاف الوانهم، وجنسياتهم فتجمهم الإنسانية.
ثالثا:- في الوقت الذي باتت دول العالم بفرض أجنداتها المسمومة من نشر الشذوذ بين الأطفال بالمدارس وحثهم على تغيير (اجناسهم) رغم انها دول تدعي الحضارة والحرية والديمقراطية، الا انها تسير بالضد من الفطرة الإنسانية السليمة، يشهد المسير الحسيني صوراً للزائرين بكل وقار وحشمة وحرية بدون أي تعدي على حرياتهم الشخصية. لذلك ستستمر المسيرة الحسينية وشعيرة الزيارة الأربعينية، عاماً بعد عام، وستصبح طقساً من طقوس الإنسانية. هكذا أرى وهكذا ستكون.