حتى في الحياة، فإن المولود الجديد وهو يولد وكأنه يدخل المدرسة فيحتاج لمن يعلمه درس الطعام والشراب والاستفراغ والأهم درس حب الحياة ومن يقوم بذلك الأبوان البيولوجيان أو من يحل محلهما ونبقى بحاجة الأستاذ في المدرسة والعمل والحب وحتى الكراهية، لكن الأهم أساتذة السياسة وإدارة العالم والأزمات وأيضا الثقافة.
يبدو العالم اليوم بلا أساتذة ولا مايسترو عظيم والجميع يعزف لحنه الخاص ويرقص رقصته التي يحبها فصار صوت الكون نشازا وكسر التلاميذ سبورات الصف وحطموا سياج المدرسة ومثلما حصل في أيام الحصار تسعينات القرن الماضي حينما كان المعلم يستدين أو يستعير وربما يستجدي السكائر من طلابه فالأساتذة اليوم ينافسون طلابهم بتمزيق الكتب والخروج عن النص والرقص خارج المسرح.
الدور الأمريكي و الأوروبي في الصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط يرينا كيف أن أساتذة العالم فقدوا رشدهم وكيف يلعبون مع الطالب الشرير لعبته المجنونة، كما أن أساتذة آخرين بحجم الصين وروسيا تركوا المنهج المقرر واكتفوا بالمراقبة .
كان صدام حسين أستاذا أوحدا لمدرسة طلابها ممتثلون عموما ولما قام طلاب ببعض الشغب قرر أن يكون خطابه هو المنهج الوحيد وأغلق الصف وعلق الدرس حتى جاء الأستاذ العالمي، المحتل الأمريكي فخان الدرس الديمقراطي الذي صدع رؤوسنا به وفوض أمر العراقيين لمجموعة طلاب فاشلين كانوا قد سقطوا في درس الوطنية لكنهم نجحوا في درس العمالة وبدلا من الشعار الليبرالي دعه يعمل صار النشيد الوطني العراقي دعه يسرق وإذا بمدرسة المشاغبين تتحول إلى ناد للصوص وبلا أساتذة تحول العراقيون إلى طلاب لما هو ليس حقا لهم.
الثقافة العراقية التي كانت بأياد أمينة لأساتذة كبار يوما صارت بيد طلاب فاشلين وتخلى الرواد عن ريادتهم ودورهم ومثلما كان المعلم وقت الحصار يستدين السكائر من طلابه أصبح هؤلاء يلتمسون ويستجدون الجوائز والنياشين من طلابهم الفاشلين وأجهزت وسائل التواصل على كل تقاليد الريادة عندما يعجز روائي كبير عن الحصول ما مقداره واحد بالألف من العلامات التي تحصل عليها( فاشينسته) مزروقة بمختلف الإبر .
لا أدري هل هو فرويد القائل (منذ كوبرنيكوس والعالم يتوجه نحو المجهول ) وكان كوبرنيكوس عبث بالدرس العظيم الأول القائل بأن الأرض مركز الكون ، وكوبرنيكوس نفسه مع أساتذة غيره مثل ماركس وفرويد، كانوا قد سددوا ثلاث صفعات على وجه الإنسانية فبدأت هذه تفقد أساتذتها واحدا تلو الآخر وبين الضياع والصراع بين درس الدين ودرس العلم انتهى الفصل الدراسي ومثل أوديب الأعمى يضرب بعصاه، ها هي البشرية بلا أستاذ تهيم في البرية .
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"