24 Feb
24Feb

لم يدر بخلد المطرب العراقي المعروف قحطان العطار، أن تذهب أغنيته التي يقول فيها «احنا ما همنا الوقت.. احنا تعبنه السهر»، شعاراً تتبناه غالبية دوائر الدولة في تعاملها مع المواطنين، وإن بصورة غير معلنة، فالمعاملات الورقية المملة والإجراءات السلحفاتية إياها باقية، وطلبات جلب النسخ المستنسخة للوثائق الرسمية والصور الشخصية سيدة الموقف.
فعلى الرغم من كون الجامعات العراقية تحفل بعشرات الأقسام أو الكليات التي تعنى بالتقنيات المعلوماتية والحواسيب، ويتخرج منها آلاف المتخصصين سنوياً، فإن ذلك لم ينعكس على المجتمع بعامة والدوائر الرسمية بخاصة، ففي حين تغص مكاتب الموظفين والمسؤولين بأجهزة الحواسيب المرتبطة غالبيتها بخدمة الانترنت، نجد إن ذلك لم ينعكس ايجابياً على الخدمات التي تقدم للمواطنين، وحتى إن أعلنت بعض الجهات الحكومية التوجه نحو الأتمتة، فإن ذلك يتم بنحو يعقد الأمور على الناس، ويثقل جيوبهم، ولا أدل على ذلك من البطاقة الموحدة والجواز الالكتروني، على سبيل المثال لا الحصر، في حين تتوالى التصريحات عن الحكومة الالكترونية منذ عقود من دون نتيجة حقيقية ملموسة تذكر للمواطنين.
كما تتوالى المشاركات العراقية، رفيعة المستوى، في الملتقيات والفعاليات ذات الصلة باستشراف المستقبل في ظل المتغيرات العالمية المتسارعة، منها دافوس والقمة العالمية للحكومات على سبيل المثال لا الحصر، حيث تتبارى الدول والشركات وفعاليات أخرى، باستعراض منجزاتها ورؤاها للمحركات الفاعلة في تحديد مستقبل العالم، وحيث تسيد الذكاء الاصطناعي والتقنيات الجديدة والاقتصاديات التي حققت معدلات نمو ومنجزات تريليونيه مذهلة، لاسيما الصين والهند، ففي الصين هناك أكثر من 29 ألف براءة اختراع في الذكاء الاصطناعي عام 2022، وستكون الهند ثالث أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2030.
وهنا يحق لنا التساؤل عن جدوى مشاركة العراق في مثل تلك الفعاليات، باستثناء اللقاءات البروتوكولية، وإلقاء كلمات تنطوي على كثير من التفاؤل المبني على أسس من رمال ناعمة، مثلما يحق لنا التساؤل عن مدى الاستفادة الفعلية من تلك اللقاءات وانعكاس ذلك على الواقع المحلي، لاسيما قطاعات الاقتصاد والعمل والإنتاج والخدمات والتعليم، طالما ما تزال العقليات الجامدة والمتخلفة تتحكم بتلك القطاعات، والمحاصصة وانعدام الأهلية والكفاءة تتحكم في توزيع المناصب الحكومية، والآليات الظلامية إياها تعتمد في التعاقدات، والنتيجة تكليف شركة بنغلاديشية بإعمار قطاع الكهرباء، وأخرى مجهولة الهوية، حتى بالنسبة لرئيس الحكومة، بإنشاء مصفى نفطي، وثالثة من النوع ذاته، بتقديم خدمات استشارية لمشروع المترو، بالرغم من أن خبرتها بالموضوع تنحصر في مشاهدة مسؤولها المترو، أو ركوبه في دولة أوربية! وحتى إن تمت الاستعانة بشركة كبرى، نجد أنها سرعان ما تواجه عقبات لا أول لها ولا آخر ما يضطرها للتلكؤ أو الانسحاب إن عاجلاً أو آجلاً.
ولعل العراق من بين دول قليلة لا تؤمن بأن الخط المستقيم أقرب مسافة بين نقطتين، لذلك يلجأ لأكثر من وسيط في تعاقداته، لا لتحقيق أفضل نتيجة ممكنة، إنما لأفضل عمولة أو رشوة ممكنة، ما جعل الشركات العالمية الكبرى تنفر منه، وأخيرها وليس آخرها شركة شل، لافتقاره للبنى القانونية والمالية والمصرفية الرصينة البعيدة عن الشبهات، وتغول الفساد والفوضى الأمنية فيه.
إن تكرار انسحاب الشركات العالمية الرصينة من العراق، عمل يتم عن سبق إصرار وترصد لإفراغ الساحة المحلية من أي نشاط إنتاجي حقيقي يسهم في ترصين الاقتصاد العراقي ويخلص البلد من الاعتماد شبه الكلي على الاستيراد في مختلف المجالات، وهيمنة دول الجوار على أسواقه، مثلما يعكس مدى الثقة في استقرار البلد ونظامه السياسي، وكلها أمور تتطلب مراجعة شاملة وإعادة نظر جذرية.. وهنا يبرز السؤال الملتاع متى يتم ذلك، بل من يجرؤ على ذلك؟!


الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة