لن يؤثر الدعم الأميركي اللامحدود الذي توفره الولايات المتحدة لإسرائيل في حربها على غزة لأسابيع، والتي قد تطول وتحصي آلافا أخرى من أرواح المدنيين الفلسطينيين واغلبهم من النساء والأطفال، على فرص إعادة انتخاب الرئيس الأميركي الديمقراطي جو بايدن. حتى لو زاد بايدن وفريقه الانتخابي من هذا الدعم وحشدوا التأييد الغربي للضغط على العرب أكثر فلا هذا سيحل مشكلة الانشقاقات في القاعدة الانتخابية للديمقراطيين ولا هو سيوفر للرئيس الحالي تحسنا في استطلاعات الرأي بين الناخبين عموما. ليس معنى ذلك أن الحرب في الشرق الأوسط لا تؤثر، لكن تأثيرها محدود تماما حين يتعلق الأمر بانتخابات عامة أميركية يصوت فيها الأميركيون على اساس مصالحهم الآنية المباشرة والقريبة جدا – من سعر الوقود في محطات البنزين إلى توفر التأمين الصحي وأسعار مستلزمات الحياة اليومية. حين يتعلق الأمر بإسرائيل وفلسطين، لا تجد خلافا كبيرا بين الديمقراطيين والجمهوريين فهي مسألة "أميركية" عامة، وحتى ليس لها علاقة بتفسيرات المؤامرة وما يقال عن "سيطرة اللوبي الصهيوني" في واشنطن. إنما هي ببساطة واحدة من مكونات إرث امبراطوري تحمله أميركا ما بعد تدهور الامبراطوريات السابقة في أوروبا (بريطانيا وفرنسا). حتى وان استخدمها الحزبان في الدعايات والحملات الانتخابية، لكن الموقف منها ثابت. إنما تتراجع فرص إعادة انتخاب بايدن لفترة رئاسية ثانية لأن أغلب الأميركيين لا يرون ان الوضع الاقتصادي تحسن في ظل رئاسته. وحسب اكثر من استطلاع رأي مؤخرا فنسبة اكبر من الناخبين لا يثقون في المستقبل الاقتصادي. وحين يتعلق الأمر بالاقتصاد ومصالح الناس اليومية المباشرة تتراجع كل القضايا الأخرى، وخاصة الخارجية من اوكرانيا إلى غزة. ولأن الانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونغرس لم يبق عليها سوى اقل من عام، فكل السياسات الأميركية الآن هدفها انتخابي بالأساس. ويدرك الديمقراطيون أن جو بايدن لن يقبل التخلي عن الترشح لدورة رئاسية ثانية، حتى لو كان بعض استراتيجيي الحزب يقترحون ذلك الآن. ورغم تفاؤل الديمقراطيين بمشاكل الحزب الجمهوري وعدم وضوح من سيرشحه، فإن الأكيد على ما يبدو أن الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب لن يتراجع ايضا عن الترشح. وحسب أغلب المحللين ومن استطلاعات الراي فإنه لو أجريت الانتخابات غدا بين جو بايدن ودونالد ترامب سيفوز ترامب ويعود إلى البيت الأبيض. قبل أيام نشرت صحيفة النيويورك تايمز سلسلة من استطلاعات الراي أجريت على الناخبين المسجلين في الولايات الست التي تعد حاسمة في الانتخابات الرئاسية. وفي خمسة منها أظهرت النتائج أن ترامب يتقدم بما لا يقل عن أربع تقط في كل منها. وفي واحدة فقط يتقدم بايدن بفارق نقطتين لا أكثر. الأهم والأخطر في تفاصيل بينات الاستطلاعات أن القاعدة الأكبر التي يعتمد عليها الديمقراطيون في التصويت لهم، وهي جاليات الأقليات، تشهد تحولا واضحا. ففي تلك الولايات الست نجد أن نسبة أكثر من 40 بالمئة من الأميركيين الاسبان سيصوتون لترامب، بينما سيصوت له أكثر من 20 بالمئة من الأميركيين الأفارقة. وإذا أخذنا في الاعتبار الأميركيين العرب والمسلمين، الذي ربما لا يصوتوا للجمهوريين لكنهم بالتأكيد لن يصوتوا لبايدن، فإن غياب أصواتهم يعني هزيمة للديمقراطيين وبايدن. صحيح أن استطلاعات الرأي ليست مؤشرا، خاصة في السنوات الأخيرة التي أثبتت الوقائع على الأرض خطأها. كما أن الاستطلاعات المبكرة تتغير نتائجها مع اقتراب الانتخابات بعد أشهر. لكن من المهم أيضا تذكر أن بايدن وترامب خدما كرئيسين في البيت الأبيض، وبالتالي يشكل الناس موقفهم تجاههم على اساس فترة حكمهما ولا يتوقع ان يتغير ذلك كثيرا بأي تطورات في الأشهر الباقية على انتخابات الرئاسة. أما الملمح الرئيسي لنتائج الاستطلاعات فهو العامل الحاسم في التصويت: الاقتصاد. إذا رأي نحو 60 بالمئة ممن شملهم المسح في الاستطلاعات أن دونالد ترامب أفضل لإدارة الاقتصاد الأميركي مقابل نحو 35 بالمئة لصالح بايدن. وذلك هو المعيار الأساسي الذي لا يتوقع أن يشهد تغييرا كبيرا قبل خريف العام القادم. وإذا كان من الصعب على الديمقراطيين اقناع بايدن بعدم الترشح فإن ترامب يبدو المرشح الأكثر حظا للفوز بتأييد أعضاء حزبه الجمهوري لمنافسة بايدن. ذلك على الرغم من تعرضه لمحاولة عزل قرب بنهاية فترة رئاسته، ومواجهته حاليا أربع محاكمات جنائية على أساس أكثر من 90 تهمة. فلا يوجد بين المتنافسين على ترشيح الحزب الجمهوري من يحظى بتأييد مثل ترامب بين قواعد الحزب. هذا في الوقت الذي تتشظى فيه الاتجاهات داخل الحزب الديمقراطي بشأن ترشيح بايدن. في عددها الأخير، نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية العريقة تحليلا رئيسيا بعنوان مفاده بأن ترامب المفضل لدى الناخبين الأميركيين. ورغم إشارة التحليل إلى تأثير الحرب على غزة في مسار اتجاهات الرأي العام الأميركي إلا أنه لم يبد مؤثرا تماما كما هو متوقع. ومن الواضح أن بقية العالم سيبدأ منذ الآن في الاستعداد لاحتمال عودة ترامب وما سيعنيه ذلك بالنسبة لسياسة أميركا الخارجية في كافة القضايا.
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"