من بين الأمنيات أن نكون جريئين في قول الحقيقة بعيدا عن الخوف الاجتماعي ، فتأثير العادات والتقاليد والأعراف تمنعنا من تداول الكثير من الحقائق والاقرار بها ، بدافع الخجل تارة ، وتعارضها مع ما نشأ عليه المجتمع تارة أخرى ، لطيف جدا أن نكون خجولين ، فتلك ميزة الخلق الرفيع ، لكن عندما يتجاوز الخجل حدوده يغدو حالة مرضية ، يفترض التوقف عندها بحثا عن علاجها ، والتحرر من ضغوطها . ولذلك هناك العديد من الموضوعات التي نخشى اثارتها والتطرق اليها ، تحسبا من فهمها بطريقة لا نقصدها ، او الحذر من المساس بما يراه البعض مقدسا ، او ان منظومتنا الثقافية لا تسمح بمناقشتها بصريح العبارة ، لذا غالبا ما نستعيض للتعبير عنها بالمجازي من القول ، والمرموز من الكلام ، والتدليل عليها بالتلميح . او بهدف اغلاق الأبواب أمام من يسعى لتفنيد الآراء بالكذب والزيف والتحايل ، مع ادراكه التام للحقيقة في قرارة نفسه ، فتضلل تفنيداته أصحاب القرار ، وتمنعهم من اتخاذ الاجراءات الرشيدة التي من شأنها معالجة ظواهر تنخر في جسد المجتمع . كثيرة هي الموضوعات ذات الطابع الاجتماعي التي تندرج ضمن ما يطلق عليها ( بالمسكوت عنها ) ، والتي يتحاشى كاتب مثلي اثارتها ، وفي كل مرة أشد العزم على الكتابة عنها ، لكني كثيرا ما أتردد ، أخشى من نفسي أحيانا ، ومن الحكمة أن يخشى المرء من نفسه ، فقد يذهب مع أهوائه وميوله ونزعاته ، فيتجرد من موضوعيته ، ويقع فريسة لذاتيته التي لا يستحسن أن تأسره ، فغالبا ما تقوده الى ما لا يخطر على البال ، او قد يتأثر بطقس الموضوع وحماس الكتابة ، فتكون للموضوعات التي يطرحها تداعيات غير محسوبة ، بضمنها أن تُرسم عنه صورة سلبية في أذهان من يطالعون كتاباته ، لذلك كثيرا ما ارحّل الأفكار التي أراها مثيرة للجدل الى أوقات لاحقة كما يرحل سياسيونا الأزمات الحادة الى المستقبل ، فتغدو كقنبلة موقوتة يمكن لها الانفجار في أية لحظة . وعلى هذا تركت الحسّاس من الأفكار لأكتب عن أقلها جدلا ، بضمنها الموضوع الذي احتل مساحة من اهتمامي لا سيما خلال سنوات عملي الأخيرة في الوسط الجامعي ، وتنطلق فكرة الموضوع من سؤال مهم مفاده : ما الذي يشغل تفكير شبابنا الجامعي ؟ والجواب ان ( …… ) هو الشاغل المطلق لجميع شبابنا ذكورا واناثا ، فهذا الشاغل هو المهيمن ، وليس من موضوع آخر يشغلهم بقدره اطلاقا في الجامعة وخارجها ، ولا عيب في ذلك فهو حاجة انسانية أساسية لابد من اشباعها ، وعلى هذا الأساس لابد أن نفهمها ، وبقدر هيمنتها عليهم يجب أن نفكر بها ، فهي لا تقف عند حدود الحرمان والكبت ، وهو ما يفترض ألا نقبل به ، بل يمتد الى الهائهم التام عن تحصيل العلم والمعرفة ، انه جدار سميك يحول بينهم وبين الابداع والمثابرة ، وكيف يفكر الطالب بذلك وهو مفترس من هذا الغول ؟، وعليه لا يحظى العلم والابداع الا على الهامشي من تفكيرهم ، وهذا من التحديات المهمة التي توجب على المعنين اعتماد سياسات داعمة لتمكين الشباب من الزواج ، كالسلف التي تساعدهم على توفير المستلزمات الضرورية ، شرط أن يتناقص تسديد مبالغها تبعا لعدد الأطفال ، وتمكينهم من الحصول على شقق سكنية بالاتفاق مع الشركات الاستثمارية العاملة في هذا القطاع ، واعطاء الشباب المتزوج أولوية بالتعيين في الوظائف العامة ، لا نريد لشبابنا الانحراف ، ولمجتمعنا التفسخ ، نريد أن تُشبع الحاجات ضمن الأطر الشرعية ، نتطلع أن ينصب تفكيرهم فيما هو مطلوب منهم طلابا كانوا او خارج أسوار الجامعة ، فلا ابداع الا مع اشباع الحاجات ، والغرائز حاجة أولية كحاجة الانسان للشراب والطعام والتنفس. هكذا يقول ابراهام ما سلو في هرمه الشهير لحاجات الانسان الأساسية ، أرجو ألا نُغمض أعيننا في وقت تتسع فيه حدقات الشباب .
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"