22 Oct
22Oct

القطاع ينتظر معارك برية بالتقسيط على مدى أشهر
حرب غزة هي، فوق بعدها الفلسطيني والإسرائيلي القوي، حرب بالوكالة بين أميركا وإيران. أميركا جاءت إلى إسرائيل برئيسها وأركان إدارته وترسانتها العسكرية، لتقف إلى جانبها وتحذر "أعداءها" من فتح الجبهات الأخرى وتحويل الحرب إلى حرب إقليمية.
وإيران تطلب وقف الاعتداء الإسرائيلي الوحشي على غزة، وتهدد بلسان المرشد الأعلى وألسنة المسؤولين في الحكومة والجيش والحرس الثوري بـ"مقاومة الأمة الإسلامية"، وتستنفر حلفاءها والميليشيات والفصائل المرتبطة بها استعداداً لإنقاذ "حماس" وغزة ولو بحرب واسعة.
وليس أصعب من إبقاء الحرب محصورة في القطاع سوى أن تصبح حرباً إقليمية شاملة، فلا سيناريو حرب غزة هو مجرد قصف تدميري واجتياح بري واستعداد داخلي للمواجهة مع استمرار القصف على غلاف غزة والعمق الإسرائيلي، ولا سيناريو الحرب الإقليمية يواجه فقط القلق العربي والتحذير الأميركي والأوروبي بل أيضاً التحذير الروسي والصيني، ولا سيناريو ما بعد الحرب سوى رحلة في المجهول.ذلك أن الرئيس جو بايدن الذي بدا أكثر صهيونية من اليهود، إذ قال للإسرائيليين "لستم وحدكم وستحصلون على كل ما تطلبونه"، لكنه أمسك عملياً بالقرار، ورسم "خطوطاً حمراً" للحرب في غزة، وطلب الامتناع عن توسيع الحرب. هو رأى أن "احتلال غزة خطأ جسيم، لكن القضاء على المتطرفين مطلب ضروري". ولم يغفل الإشارة إلى أنه "يجب أن تكون سلطة فلسطينية ومسار دولة فلسطينية".
وما كان خارج التوقعات، بعد موقف بايدن والتهيب أمام قدرة "حماس" في غزة، أن يعلن بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت أن "حرب غزة ستكون طويلة ومختلفة لأن العدو مختلف". لا عملية حاسمة ولا ضربة قاضية، حرب برية بالتقسيط على مدى أشهر.
وليس من السهل على إسرائيل إبقاء الاحتياط في الخدمة أشهراً لأن ذلك يوقف كل شيء في الدولة العبرية من أجل حرب برية يتهيب العسكر خوضها.
وفي المقابل فإن من الصعب على إيران وحلفائها، ولو انخرطت هي مباشرة، إدارة المواجهة مع إسرائيل بسيناريو حرب حاسمة وضربة سريعة قاضية. وإذا كانت تل أبيب تدعي أنها تخوض حرب وجود، فإن طهران تواجه ما تسميه سيناريو "تقطيع أذرعها" في المنطقة. اليوم "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وغداً "حزب الله"، وبعد غد الفصائل المرتبطة بها في سوريا والعراق. وهي توحي أنها مستعدة لاستخدام كل الأسلحة والأوراق لحماية "حماس" ومنع أي تحرك ضد بقية "الأذرع". لكن لماذا؟ لأن هذا دفاع عن المشروع الإيراني الإقليمي الذي استثمرت طهران فيه كثيراً من الموارد والجهود.
ومن هنا تصميم الجمهورية الإسلامية على أن تكون حرب غزة، بعد "طوفان الأقصى"، سواء بقيت الحرب محصورة في القطاع أم تحولت إلى حرب إقليمية، فرصة أمام "محور المقاومة" لتسجيل "نصر" في مسار يغير الشرق الأوسط، مسار معاكس لما تصوره نتنياهو عن "تغيير الشرق الأوسط" من غزة.
ومن هنا الاندفاع الأميركي في دعم إسرائيل، ثم الأخذ بيدها بعد الحرب إلى حكومة مختلفة تعيد الاعتبار إلى التفاوض مع السلطة الفلسطينية على "حل الدولتين". وبالطبع فإن "محور المقاومة" يقاتل، لا فقط ضد هذا المسار، بل أيضاً ضد ما يرى أنه مشروع أميركي لشرق أوسط تحاصر فيه إيران بعد إسقاط مشروعها الإقليمي وقطع أذرعها لتبقى "دولة عادية" لا ثورة ولا قضية.
والمفارقة مذهلة بين طموح إيران الكبير ومفاخرتها بالاقتدار، وبين هاجس الخوف من إسقاط النظام، والمعادلة دقيقة: لا شيء يقوي نظام الملالي أكثر من العداء لأميركا الذي هو من "أسس الثورة" كما قال الإمام الخميني، ولا شيء يقلق النظام أكثر من العقوبات الأميركية وصعوبة التوصل إلى تفاهم مع واشنطن على طريقة الاتفاق النووي أيام أوباما الذي خرج منه ترمب.
والمخيف أن الجانب المهمل في الصراعات هو عذابات الناس العاديين المحرومين من الماء والغذاء والدواء والكهرباء والمهددين بالخيار بين الموت والتهجير.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة