بعد سنوات قليلة قد لايبقى عراقيّ واحدٌ لايحمل شهادة جامعية أولية، على طريق طلب التعيين وليس طلب العلم، والجامعات ماضية بلا هوادة بتخريج الدفعات السنوية الى مواقع تجمع المحتجين والمتظاهرين المطالبين بفرص العمل، ومنهم من تعيّنوا بوظائف أدنى مستوى بصفة سائق او فلاح او عامل ضيافة ، او تعيّنوا في سلك الأمن والشرطة وباتوا يتصدون لزملائهم حملة البكالوريوس الذي يطالبون بالتعيين ، وكلنا نعرف قصة حملة الشهادات الجامعية الذين لم يجدوا وظائف تناسب تخصصاتهم واضطروا للتقديم بشهادة الدراسة الإعدادية ، وكيف واجهت الدولة هذه المعضلة القانونية لاحقاً بإحتساب الشهادات التي ضحوا بها ولم يكشفوا عنها،من أجل التعيين.
والسؤال الذي مايزال يطرح نفسه بقوة ويتمرغل على الأرض هو ، إذا كانت سوق العمل والوظائف لاتتسع لهذه الأعداد الهائلة،،فماهي المبررات المنطقية لإفتتاح المزيد من الجامعات والكليات الأهلية ، التي تمنح شهادة بكالوريوس للقادرين على دفع الأقساط السنوية ، وشعارها من لا يدفع لا يدرس ولا ينجح ، أما المتخرج منها فيخرج شاهراً شهادته الأولية مطالباً بحقه في التعيين ، في مقاربة مع مقولة ( عجبت لمن لايجد قوت يومه كيف لايخرج على الناس حاملاً سيفه)،ولا يلام الخريج الذي يشهر سيفه من أجل أن يعمل ويعيش ويكوّن أسرة ، واللوم يقع على التخطيط لجني الأرباح على حساب مصلحة الدولة والمجتمع ، أما مخرجات هذه المصيبة فهي المزيد من الدراسات والبحوث والمؤتمرات وورش العمل تحت شعار ( تحديات ارتفاع نسب البطالة لدى الخريجين ، بين الواقع والطموح ) وتفسير الماء بالماء والخروج بالاستنتاجات المعروفة للقاصي والداني،وبتوصيات تزيد الطين، فقد ( سبق السيف العذل ) وأدت بطالة الخريجين الى انعكاسات اجتماعية واقتصادية وأمنية،والى إحباطات وإنحرافات وارتكاب جرائم.
وقبل أيام قلائل عض الكثيرون أصابع الندم على غلطة البكالوريوس عندما فتحت وزارة الداخلية باب التقديم للتطوع في صفوف قوى الأمن الداخلي بصفة عقد على ملاكها ، واشترطت أن يكونوا من الحاصلين على شهادة الدراسة الابتدائية والمتوسطة حصراً !
وفي السنوات المقبلة ، قد يحمل جميع العراقيين شهادة الدكتوراه ، ويتقدم نائب همام الى رئاسة البرلمان بمقترح إلغاء صفة المواطن العراقي على أن تحل بدلاً عنها صفة الدكتور العراقي وذلك لكثرة (الدكاترة)،وإحالة جميع حملة شهادة الماجستير الى التحقيق لينالوا جزاءهم العادل!.
* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *