25 Apr
25Apr

تتقلص المسافة بين القاريء والكاتب في العالم العربي بمقدار كارثي كل يوم، وأخشى عليها من الوصول إلى نقطة اللاعودة؛ أي أن يصبحا من عالمين مختلفين فيقرأ الأول ما لم يكتبه أو يقصده الثاني؛ ويكتب الثاني ما لن يعثر عليه الأول حتى لو كانت السطور أمام عينيه!البحث عن الأسباب عملية عصية على المهتمين بهذا العالم المترامي الأطراف واللغات والنشر والطباعة؛ فتصل أحيانا إلى حوار الطرشان الذي تتحكم فيه المفاهيم الدينية وهراوة السلطة السياسية وطوفان التفاهات القادم أو المهاجم علينا من كل صوب وحدب.في زمن سابق كان القاريء يسابق الريح محاولا العثور على الكاتب، فالمعرفة كانت كنزًا إذا وجدته فسيصفق لك عقلك، وتنضج سنوات عُمرك كلما انتهيت من القراءة.أما في زمننا المعاصر، وهذا الحديث موجه للعالم العربي، فالكاتب يبحث بشق الأنفس عن القاريء وعليه أن يمر على مصاعب جمة مثل الوضع المادي وقلة المعروض من الكُتب الجيدة ونفور القراء من الأعمال الدسمة والمعرفية التي أصبحت ثقيلة على العقل والقلب.عشرات من المطبوعات في عالمنا العربي بكت صفحاتها لتستدر شفقة القاريء رغم أنها لا تنافس الطعام والشراب والسكن والترفيه والجنس، ومع ذلك فقد رفعت راية الهزيمة مثل مجلة (سطور) التي كان كل عدد منها كنزا لا نظير له، ومثل مجلة(ابداع) لأحمد عبد المعطي حجازي التي كانت تبيع 25 نسخة في محافظات مصر كلها، والباقي مرتجع لباعة اللبّ والحُمّص.ومع دخول الديجيتال الحرب لصالح التفاهات محمولا على أجنحة التيك توك، سرقت الصورة اهتمام المتابع على حساب الكلمة المكتوبة.وانضم إلى جبهة التفاهات رجال الغيبيات والماضويات الذين يختمون الانحطاط زورا وإفكاً، بختم السماء إشارة للقداسة، فصرع الماضي المجهولُ الحاضرَ المعلومَ، واستعد لمناطحة المستقبل والتقدم والنهضة.وانتصرت الحماقات؛ فجعلت القاريء الذي كان يلتهم الكتاب في جلسة أو اثنتين غيرَ قادر على الوصول إلى السطر الخامس، فالعمل الجيد والمفيد أثقل من جبل، فيجري القاريء للصورة والفيلم والتيك توك وحوارات المتخلفين على الشاشة الصغيرة.قضية تستحق المتابعة والبكاء؛ فهي تُنذر بمستقبل مشؤوم وحزين يلفه سرادق عزاء في الكلمة المطبوعة التي يحتقرها أكثر سكان وطننا العربي.

طائر الشمال عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين أوسلو في 25 ابريل 2023


* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة