ونحن نعيش اجواء الذكرى السنوية العشرين على التغيير الذي اسقط النظام السابق في العام 2003 واستبدله بعملية سياسية ما زالت تعاني من "العرج" ضمن مفاصلها المصابة بالتشوه في العديد من اركانها والتي حولتها لحلبة صراع يتنافس اطرافها لاسقاط بعضهم الاخر وليس لتقديم افضل الخدمات للبلاد ودفع العباد لتغيير الصورة السيئة عن بعض جهابذة السياسة وصناع القرار حتى تحول المساكين الحالمين بالاستقرار لاداة يراهن عليها اصحاب الازمات في الترويج لحسنات منسوبة لايام البعث ظلما وعدوانا.
نعم.. عزيزي القارئ.. لا تستعجل في إطلاق الأحكام والاتهامات وأنت تتمعن في هذه الكلمات فنحن نبحث في "كومة" قش عن صورة تبعدنا عن المقارنة بين عهد اصبح من الماضي وحاضر نسعى لتشخيص اخطائه حتى يتجاوزها، حاملين لواء "النوايا السليمة" في الحكومة، لان تركة السنوات العشرين الماضية اصبحت ثقيلة وفرصة مناسبة تمكن "الباحثين عن الفرص" من استغلالها لتشويه التاريخ، ولعل اقرب مثال يختصر خارطة الصراع السياسي ماحصل في جنوب العاصمة بغداد وتحديدا منطقة الدورة، بعد استعراض ابطاله من سرايا السلام الذين انتشروا بعجلاتهم واسلحتهم الثقيلة والمتوسطة في قصة روايتها تقول، خلافات على ارض زراعية مع كتائب حزب الله، تدعي السرايا امتلاكها لتوزيعها على عوائل الشهداء كما روجت منصات التيار الصدري في مواقع التواصل الاجتماعي، ورغم ضعف القصة وسندها، لاسباب عديدة منها، الارض وطبيعتها الزراعية ومالكها الحقيقي وكيفية استيلاء بعض الاطراف عليها وتقسيمها وبيعها للمواطنين بشكل يبعد مسافات شاسعة على القانون وبنوده، لكن بالنهاية وبعد "الهرج والمرج" ورفع حالة الانذار انتهت القصة بانسحاب سرايا السلام وعودة الارض لكتائب حزب الله الذي لا نعرف كيف حصل عليها وامتلكها، وخاصة في تلك "البقعة الزراعية" من منطقة الدورة التي تعكس المعنى الحقيقي لكلمة "الفرهود".
لكن الغريب.. في تلك القصة لم نسمع الرواية الحكومية او ردة فعل الاجهزة الامنية المكلفة بحماية الممتلكات العامة وارواح "عباد الله"، كيف تتصاعد اصوات الاسلحة والاستعراضات بهذه الطريقة من دون "رادع حكومي" يضبط ايقاع الدولة ومؤسساتها؟، وكيف نريد من المواطن المسكين عدم الاستماع لخطاب رغد صدام حسين التي كثرت طلاتها من شاشات وسائل الاعلام العربية وهي تتغنى بامجاد مزيفة وتبشر بعودة ميمونة لنظام والدها وحزبه وتهاجم التغيير الذي لا يناسب ذائقتها رغم تحسن احوالها وملامح وجهها حتى اصبحت اكثر انوثة وتجاوزت مرحلة الشيخوخة المبكرة التي كانت تعيشها ايام "القائد الضرورة" الذي قتل زوجها ويتم اطفالها، وقد تدرك جيدا بان ما اعلنته لا يتعدى سوى احلام يقضة او محاولة مختومة بالفشل لاحياء جسد ميت، لكنها تعمل بحرفية لاستغلال مشاعر "الناقمين" على العملية السياسية بسبب استمرار صراع المصالح الفئوية بالاستفادة من الجيوش الالكترونية لبعض الخصوم الذين لا يجيدون سوى لغة التسقيط وغياب منهج التقويم.
استذكار ساعات اليوم الذي شهدنا فيه عملية التغيير باسقاط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس قبل عشرين عاما نشط ذاكرتي باستحضار مقالة كتبتها في التاسع من شهر نيسان قبل خمس سنوات تتشابه ظروفها في الترويج للبعث مع الاوضاع الحالية، لكن البطولة في وقتها منحت لعزة الدوري الذي ظهر في اول خطاب بعد اعلان وفاته "المزيف" ليتصدر المشهد بحملة ساندتها شخصيات سياسية كشفت وبكل "صلافة" عن تلقيها دعما من قبل البعث للمشاركة في الانتخابات البرلمانية لاعادة رسم خارطة العملية السياسية مرة اخرى، لكنها لم تستمر طويلا حتى تبخرت تلك الاحلام وغادر عزة الدوري دار البقاء قبل تحقيق تعهداته، وقد تلتحق امنيات السيدة رغد بتصريحات الدوري وتضاف لسجل اوراق عودة البعث المحترقة مع اول اختبار حقيقي لاثبات صلاحيتها بعد عشرين عاما على التغيير.
الخلاصة:. ان حكومة محمد شياع السوداني مطالبة بمواقف اكثر واقعية وتختلف عن الحكومات السابقة في التعامل مع الجهات التي تمنح الفرصة لبقايا البعث وورثته للعزف على وتر العودة في نيسان من كل عام، وهنا لا نعني استخدام الاحكام العرفية او التضييق على الحريات ابدا، انما استخدام صلاحيات الحكومة في الحفاظ على الاستقرار وضبط ايقاع المنافسة السياسية بين الخصوم بعيدا عن السلاح… اخيرا.. السؤال الذي لابد منه.. متى ستنجح العملية السياسية بتجاوز الاخطاء التي تجمل حقبة البعث؟