في ملحمة (كلكامش) البابلية الشهيرة التي تعدُّ (أوديسة العراق الخالدة)، قال كلكامش لأنكيدو، بعد (أن انعقدت أواصر الصداقة بينهما وصارا خِلَّين حميمين يلازم أحدهما الآخر): (باتِّحادنا نصنع الذي لا يُنسى بعد الموت)، وحين اندفعا باتجاه غابة الأرز لقتل خمبابا (الرهيب)، قال كلكامش لأنكيدو: (تشجَّع وكنْ بجانبي)، وأضاف: (يا صديقي علينا أن نتقدم ونوغل في قلب الغابة وسيحمي أحدنا الآخر)، ولو تأمَّلنا في ما قاله كلكامش لوجدنا أنه مهتم على نحو كبير بالاتحاد فيما بينه وبين أنكيدو، وأنه حريص على أن يكون أحدهما في جانب الآخر، وأن يحمي أحدهما الآخر، سعيا نحو تحقيق النصر على خمبابا، الذي تصفه الملحمة بأنه (يشبه زئيره عباب الطوفان، وتنبعث من فمه النار، ولا ينام أبدا، هيئته غريبة ومخيفة، تبعث الرعب في البشر، واسمه ملأ البلدان)، وحين علم شيوخ (أوروك) ذات الأسوار العالية والتي كان بابها ذا سبعة مزاليج بقرار كلكامش وأنكيدو بركوب المغامرة والهجوم على غابة الأرز، حيث يسكن خمبابا، قدَّموا لكلكامش وصيتهم، قائلين له: (لتكن قِربتك ملأى بالماء النقي على الدوام)، وبالاتحاد انتصر كلكامش وأنكيدو على خمبابا فقد تمكنا من قتله وقطع رأسه والعودة بسلام إلى (أوروك)، وبالاتحاد أيضا تمكنا من القضاء على الثور السماوي، الذي كان ينشر الفزع والهلع والرعب في البلاد، واقتلعا قلبه وقرَّباه إلى الإله (شمش)، وهنا نقف لنقول إن صاحب فكرة الاتحاد وحاملها والقائم بتحقيقها هو كلكامش، الذي وصفته ملحمته بأنه الذي رأى كل شيء وخبر جميع الأشياء، وهو العارف بكل شيء، وأنه أبصر الأسرار وعرف الخفايا المكنونة، وجاء بأنباء الأيام مما قبل الطوفان، وفوق كل ذلك هو الأمجد بين الرجال والأشهر بين الأبطال. تحية لكلكامش رافع لواء الاتحاد والعامل على ترسيخه بوصفه العامل الأساس لتحقيق الأهداف العظيمة والغايات الكبرى وللحافظ على البلاد وما عليها ومَن عليها، وتحية لكل من يرفع اليوم في العراق لواء الاتحاد بإخلاص وبإيمان لا يتزعزع، وبنية سليمة لا مصالح ذاتية أو فئوية فيها، ويقوم بالجمع لا بالتقسيم، ويدعو إلى التلاحم لا إلى التزاحم على المكاسب الضيقة، ويعمل على توحيد الكلمة لا تفرقتها، وعلى لمِّ الصفوف لا بعثرتها، في وقت تظهر فيه هنا وهناك على السطح دعوات غير بريئة لترويج بضاعة الأقاليم التي يمكن وصفها بالبضاعة الفاسدة، هذه البضاعة التي تفرقنا وتعزل بعضنا عن بعض وتفتح الباب واسعا أما ضعفنا وانكسار طموحاتنا العالية التي ترفرف في الأعالي وتتلألأ مع النجوم، ويمكن وصف التفكير بالأقاليم بالتفكير المنحرف، الذي يضحي بوحدة الوطن ويفرط بمصلحته ويهدر وحدة شعبه العظيم، ولا يسعى إلا إلى الحصول على زعامات ومناصب ستكون في مهب المصالح الفئوية وفي مهاوي الخضوع لتأثيرات الآخرين تحت ذرائع واهية من دون القدرة على ردعها.
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"