يعتبر الإخلاص من اهم قيم التقدم التي يرتقي بها الفرد او المجتمع سلم النجاح والتفوق، وهي ميزة اساسية حبا الله (عزوجل) بها الأشخاص او المجتمعات التي ارادت السير الى طريق التقدم والرقي والتطور وتحقيق السعادة والرفاه في الدنيا، او من يسعى بالإخلاص في عمله كسب رضا خالقه لنيل السعادة في الدارين، وهي المفتاح الذي يصنع الفارق بين هذه المجتمعات او الأشخاص ممن أخلصوا في أعمالهم واجتهدوا فتقدموا، عن الآخرين من تكاسلوا وتقاعسوا وقبلوا بالتخلف والتراجع والفشل. يقول المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي: "ولو لم يكن الإخلاص من الضرورات في حياة الإنسان لما أمر الله تعالى به، إن هذا التأكيد على الإخلاص في آيات كثيرة يدل دلالة قاطعة أن الله سبحانه وتعالى لا يقبل عمل المؤمن من صلاة أو صيام أو زكاة أو حج أو جهاد وغيرها من الأعمال إن لم يكن المؤمن يؤديه لله وحده، مخلصاً له فيه كل الإخلاص، في السر والعلانية، ودون أن تشوب إخلاصه أي شائبة من شوائب الدنيا". الإخلاص هو أقرب الطرق استقامة وأكثرها ضماناً نحو تحقيق الاهداف والحاجات الأساسية التي يرجوها الانسان، الحاجات المعنوية والحاجات المادية، ويسعى الى التأسيس لها بنجاح خلال مسيرة حياته في هذه الدنيا او الاخرة، "فإذا شرع الإنسان في عمله وعلمه بإخلاص وإيمان نجح نجاحاً منقطع النظير". في مقابل المخلصين هنالك الفاشلين ممن لا يعرفون هذا المعنى، الإخلاص او الصدق في العمل (المادي والمعنوي)، وهم أقرب اما الى الجمود في الفشل او الانحدار الى ما هو اسوأ منه، كما عبر الامام الشيرازي (رحمه الله): "وكما أن التطور نحو الأفضل ممكن فإن الانحدار نحو الأسوأ ممكن أيضاً"، وهو انحدار غالباً ما يجلب الكثير من الكوارث والمصائب التي لا ينحصر تأثيرها على الفاشلين بل يمتد الى الجميع، لان الاثر الذي يولده الفشل والانحدار نحو القاع سينعكس على المحيط. للإخلاص القدرة على ضبط حركة الانسان او المجتمع التقدمية باعتباره ميزان قيمي يوازن بين الحاجات المادية والمعنوية ويقودها الى النجاح معاً، فالإخلاص ليس طريق الساعين الى مرضاة الله (عز وجل) في الدار الاخرة فقط، بل هو أسلوب حياة ايضاً، وهو طريق الناجحين والمثابرين وبناة الحضارات، وكما ان الإخلاص هو المقدمة والاساس لقبول الاعمال التي تقرب الانسان الى الله (عزوجل)، فإن الإخلاص في العمل الذي يبذله الانسان في مجالات الحياة المختلفة هو الذي يحدد مدى النجاح فيه. وربما من أوضح الأمثلة على هذا التوازن بين الطريقين هو البناء الذي قامت عليه الحضارة الإسلامية الخالدة بكل تفاصيلها حتى أصبحت من اهم الحضارات الإنسانية المعروفة على مستوى العالم، علماً ومعرفة وثقافة وعمل وابداع في جميع المجالات. اما التراجع الذي تشهده اليوم معظم المجتمعات الإسلامية فمرده الى ترك الإخلاص في العمل، وسلوكها طريق التبعية الفكرية والثقافية والأخلاقية، واكتفائها بالتقليد او استهلاك القيم الفارغة من المحتوى، بعد ان تحولت الى امة مستوردة للأفكار والثقافة والقيم والاخلاق بعد ان هجرت تراثها وحضارتها وعلومها وقيمها وعظمائها. يقول السيد الشيرازي: "ان هناك علاقة حميمة بين العمل والسلوك من جهة، والجزاء من جهة أخرى، ومن يتوخى الخير لا يمكن أن ينال الشر، وكذلك من يحسن فلن ينال إلا الإحسان، ومن يعط فلن يجازى بالجحود، ومن يخلص فلن يجازى بالخيانة، إنما يكافأ الإحسان بالإحسان ويجازى المعطي بالشكر، والمخلص بالمكافأة الجزيلة، قال الله تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إلاَّ الإحْسَان)"، وهي علاقة طردية، فبقدر الإخلاص في العمل ستحصد النتائج والنجاحات والعكس صحيح، لذلك تجد الفارق الواضح بين المجتمعات الإسلامية قديماً وحديثاً من جهة، وتجد الفارق ايضاً بين المجتمعات الأخرى التي كانت قديماً من المجتمعات المتخلفة وكيف أصبحت على ما هي عليه اليوم من التطور والتقدم من جهة أخرى. ان المتابع المنصف لأحوال الامة الإسلامية في الحاضر وما أصابها من ضمور وتراجع في مختلف الأصعدة، وجعلها غير قادرة على العودة لدورها الإبداعي، او مجاراة التطور الحاصل لدى الشعوب الأخرى على اقل التقديرات، يدرك تماماً ان السبب في ذلك يعود الى تخليها عن قيمها الاصيلة التي كانت جزء من هويتها الدينية والإنسانية، والتي شكلت شخصية الانسان المسلم وحثته على العمل والحركة والتطور والابداع، وفي مقدمة هذه القيم هي الإخلاص. 1. العودة الى قيم التقدم الاسلامية والفضائل التي أسست للتفوق الأخلاقي وساهمت في بناء الفرد والمجتمع وفق منظور إنساني وحضاري متطور، ومنها الإخلاص والحكمة والعدالة والحلم والصدق والأمانة...الخ، وهي القيم القادرة على تحفيز الفرد نحو الابداع والتقدم. 2. السعي للتحرر من قيود التبعية والتقليد للأفكار والأخلاق والقيم الجاهزة، خصوصاً تلك التي تمثل منها انحرافاً عن الخط الأخلاقي والإنساني الفطري السوي، ولا ينتج منها الا خراب المجتمع وضياع لقيمة الانسان وهدر لكرامته. 3. بناء جيل مثقف يؤمن بقيم التقدم والفضائل الاخلاقية واهميتها في العمل والسلوك، وجعلها جزء من هويته القيمية، ليكون جيل قادر على بناء حضارته الإنسانية المميزة. 4. الاستفادة من المنظومة الفكرية والمعرفية والقيمية التي انتجتها الحضارة الإسلامية وإعادة احيائها بالتعاون مع المؤسسات (الدينية، الاكاديمية، المجتمع المدني، التربوية، الثقافية، الاعلامية) عبر طباعة الكتب والخطب والمحاضرات وإقامة الورش والندوات والمؤتمرات وغيرها.
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"