أحاول في مقالي هذا تقديم انطباع شخصي ونقد لا يخلو من قسوة حول تجربة الحركات والأحزاب الناشئة التي انبثقت من رحم ساحات الاحتجاج خلال انتفاضة تشرين 2019، خصوصا بعد ظهور نتائج الانتخابات المحلية التي كشفت فشل تلك الأحزاب في تحقيق طموحها، وانطلاقا من كون النقد أساسا للبناء الصحيح والحقيقي.
بداية لا يوجد أي حزب يخضع للسياقات الديمقراطية، بل إن كل حزب يتم اختزاله بشخص الرئيس، لأنه صاحب المال، حيث يصبح عنوانه الأبرز، صاحبه وهو الدكتاتور الأعظم أو قل "ربهم الأعلى"، فيما يكون جميع الأعضاء مجرد ديكورات واكسسورات بائسة، ويخضعون لإرادته، ولا أحد منهم يستطيع قول ما يعتقده من حقيقة أو إبداء رأيه بصراحة ووقوفه بوجه زعيم الحزب، خوفا منه ومن إمكانية طرده أو عزله وفقدان "خبزته".
في الحقيقة، لا توجد في العراق اي مشاريع سياسية حقيقية الا ما ندر جدًا جدا، ولا يوجد أي حزب في العراق يسعى لبناء الديمقراطية، وهذا قد يعيد العراق وبقوة إلى عصر الدكتاتورية، الذي غادرناه بتقديم المزيد من التضحيات الجسيمة من قتل وتشريد وحرب أهلية ونزوح وإرهاب وسرقات وفساد وغير ذلك.
أغلب رؤساء تلك الأحزاب وأعضائها اهتموا بنشر طنينهم في كل مكان، فمعظمهم ركزوا على "الطشة"، وعلى حساب المشروع الطموح طبعا، حيث سعى كلّ فرد لبناء صفحته الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي وجمع اللايكات والتعليقات، من أجل الإثبات للجميع بأنه صاحب "الترند الأعلى" في العراق، وكأنه يسعى لأن يكون نجما سينمائيا او فنانا يزاحم كاظم الساهر على شهرته، مقابل مشروع وبرنامج ورؤية خاوية وخالية من اي معنى.
وما يؤسف له هنا، هو أن جميع الأحزاب الناشئة انشغلت بالتسقيط والمناكفات وإلحاق الأذى بأقرب الأصدقاء والمتبنين لنفس المشروع، كما أن جميع الأحزاب لم تعتمد الشفافية والمصداقية بكشف مصادر تمويلها، بل اعتمدوا على المراوغة والشطارة في هذا المفصل.
ومن المؤسف أيضا، أن جميع الأحزاب الناشئة، تنتهج انتهازية سياسية، كانت قد انتهجتها الأحزاب والحكومات السابقة ولم تفكر ببناء سياسة أخلاقية، غير مدركة بأن جوهر السياسة هي الأخلاق.
إن أغلب الأعضاء المتواجدين داخل الحزب الواحد تنتشر فيما بينهم روح الفرقة، ولبس الأقنعة المشوهة وإقصاء الآخرين من أجل كسب ود رئيس الحزب حتى يكون هو الطفل المدلل لهذا الرئيس، وهذا ما تسبب بانتشار اللوبيات والعصابات داخل الحزب الواحد.
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"