24 Apr
24Apr

باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

سألتني الصديقة في نهاية رسالتها عن موضوع مغاير تماما وإن كان متعلقا أيضا بصلب الموضوع بناء على أستخلاصها للنتائج التي أستنبطتها من فكرتي النهائية عنه، السؤال كان ذو شقين متباينين، الأول هل ترى أن الدين يمثل نمطا عميقا من النظم المجتمعية للجماعات البشرية؟ بمعنى أدق أن تغير الأديان أو حتى شكلية الإيمان بالدين بتغير المجموعة البشرية التي تشترك بذات العقيدة؟ السؤال الأخر هو هل كان "اللا دين فكرة ما" أو أيضا هو لا فكرة تبعا للقياس المنطقي الأرسطي؟ لا سيما أن الكثير من الدينيين لا يرون وجودا للإيمان خارج الدين، وبالتالي اللا ديني لا إيماني بالحتم، في الوقت الذي يرى فيه اللا ديني تمسكه بموقفه حول اللأدين عبارة عن عقيدة ثابته مدعومة بفكرة ضخمة ومتكاملة من المبررات والأطر التي يظنها ذات منطق سليم، الموقف هنا يعتمد من حيث التوصيف إذا على معنى وهوية الإيمان.من الناحية المنطقية المعرفية أن كل موقف أو نظرة لموضوع ما أو قضية ما تشكل بحد ذاتها فكرة أو حتى جزء من فكرة، خاصة إذا كان الموضوع أو القضية جزء من موضوع أكبر أو قضية كبرى مركبة أو متسلسلة، لو عدنا إلى تعريف الفكرة ببساطة نجدها هي مجرد موقف ما عقلي أو منطقي يتشكل حيال شيء يثير التساؤل أو على الأقل يستوجب منا أن نتخذ هذا الموقف بناء على وجود السبب الذي هو الشيء الذي نتعامل معه بفعل أو ردة الفعل، فالفكرة تتصل به وتعكس رؤيتنا تفسيرنا تعليلنا بالعموم هي جوابنا على وجود الشيء، الدين بالتأكيد فكرة متعددة الأتجاهات والأنساق والتركيبات كون الشيء المطلوب التعبير عنه وهو الدين قضية وموضوع أيضا متعدد الأتجاهات والأنساق ويحمل أليات ضخمة متراكمة من البواعث التي تجبرنا على أن نتخذ موقف وربما مواقف منه بناء على ما يحمل من كونية مثرة وعميقة، هذه الكونية ليست خاصة بالدين وحده ولا يمكن فصلها عن الإنسان ذاته، وبالتالي فهي مناط حسي عميق ثقافي معرفي أجتماعي متصل ومتواصل بعمق مع وجود الإنسان، ككائن خالق ومخلوق مؤثر ومتأثر به وبما ينتج منه أو عنه من أفكار، وهنا أنا أتوافق فيها تماما مع رؤية وموقف "أميل دوركايم في كتابه الأساسي الأشكال الأولية للحياة الدينية" التي يلخص فيها ما يرى من أن (إن النسق الديني لا يتمتع بأي أستقلال ذاتي) بمعنى أن نسق الفكرة الدينية ذا عمق أجتماعي بشري أبعد من كونه ظاهرة عرفها الإنسان بشكل خاص لأرتباطها بالما فوق اللا مدرك.هذا أولا كمقدمة لبيان موقفي اللا ديني من كونه يحمل فكرة أو هو الموقف ذاته فكرة، نعم اللا دينية موقف من شيء وموقف يستند إلى منطق عقلي مقبول من البعض، لذا فهو فكرة تتحول أو بإمكانها أن تتحول لعقيدة ما تتخذ منحى مغايرا يتعمق مع الإصرار على العمل بها، وبالتالي مجرد تبني الفكرة أو الثقة بها يبدأ معها الإيمان مرحليا، طبعا ليس ذاك الإيمان الذي يعرفه العقل الديني ونسقيته وأطواره، بل الإيمان بتعريفه المعرفي القائم على معنى الأخذ بالشيء على أنه مناسب وكافي للظن بأنه على صواب، ويجب الإقرار بذلك كمقدمة لاحقة تتبعها خطوات متصلة معه لكنها ليست دوما ضرورية، حتى في الإيمان الديني هناك تدرجات نبدأ من القبول المبدئي به وصولا |إلى الذوبان الكامل فيه (لا تقولوا أمنا بل قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان إلى قلوبكم)، هذا في المنطق العقلي وفي المنطق الرياضي الذي يمكن أن يكون صالحا في قياس موضوع مجردا يعتمد معادلة (الدين = فكرة)= (اللا دين = اللا فكرة) = (الدين= اللا دين)، هذا المنطق بهذه الصورة يؤشر لعدة نتائج حسب ترتيب المعادلة المنطقية، عموما لا يمكن إنكار دور الإنسان في صنع فكرته عما هو ديني وعما هو لا ديني حسب ما يمكن أن يجعله ذا موقف ما.القضية الأخرى والتي ترتبط بما تقدم في تغير أشكال الإيمان أو شكلياته المتصلة بتغير المجتمع وتغير العلاقات البينية فيه، وهذا ما يدعم فكرة أن الدين من الأنماط الأجتماعية المتصلة خاصة أن لكل مجتمع بشري مؤثرات صانعة وباعثة للسلوكيات العقلية والحسية المؤثرة في صناعة الفكرة والتعبير عنها وحتى كيفية التعاطي معها، ليس في واقع الدين فقط حتى في العقيدة السياسية والعسكرية والفعل الأخلاقي والحضاري، مع وحدة المصدر المؤسس، فالشيوعية مثلا تأثرت بهذه الحقيقة بعد تطبيقاتها مثلا في مكانين مختلفين ومجتمعين بينهما فوارق حضارية ديموغرافية وتاريخية مختلفة هما المجامع الروسي والمجتمع الصيني، بالرغم من أن أساس المنهج فكرة واحدة، وكلاهما لا يتوافقان مع خطوط الفكرة ذاتها بثوبها الغربي حسب التنظيرات والتجربة العملية، هذا ما يؤكد لنا عدم أستقلالية الفكرة الدينية عن حاضنتها الأجتماعية، لذا تعددت الديانات وتعددت التطبيقات بناء على تغير المحتوى الأجتماعي بتغير فكرته الذاتية عنه، في الدين الطبيعي عندما نربط فكرة الدين بأس ثابت مطلق واحد لا يتغير كونها بالأصل فكرة مجردة وعامة وحدية، هنا لا يمكن أن يكون للفعل الأجتماعي الحاضن دور في التعدد، لأنه المجتمع سيكون مستقبل للفكرة فقط لا يد له في أن يطوعها حسب رؤيته الخاصة، ولكون الفكرة أساسا لا تنسجم مع التعديل والتبديل وتتحول إلى فكرة جامعة موحدة بدل أن تتحول إلى أداة تفريق ونزاع.الدين المعروف كفكرة برغم من محاولة العقل الديني إعطاه صفة التميز والفوقية الشمولية، ومحاولة إخراجه من دائرة الفعل الأجتماعي كليا بأعتباره حدثا خارج قدرة الإنسان عن الإتيان به، يبقى ووفق لمعطيات التعاقب التاريخي التطوري الذي عاشه الدين كفكرة غير قادر فعليا عن الإنفصال الكامل والأستقلالية الحقيقية عن المجتمع وروابط الفعل والفاعل والنتائج، التاريخ الديني ولنحصر دراستنا به فيما يسمى بالأديان المنزلة الرئيسية الثلاث، بأطوارها الموسوية والمسيحية والمحمدية نجدها تشترك بخطوط عامة أساسها وصايا للفعل الأجتماعي السلوكي للفرد والمجموع، لكن الصورة ليست ذاتها في كل مرة ولست ذاتها في طريقة الطرح والمطلوب حتى، نعم قد يكون هناك خيط حقيقي رابط لكن هذا لا يغني عن نفي التراتيبية والتوالي، بمعنى أوضح نتائج التجريب فيها والتعديل وحتى التبديل في لغة الخطاب العامة، هذا يدل على أن التعاقب كان له دورا مهما في صنع الفكرة وتعظيمها وتحجيمها بالشكل المهول، الطريقة واحدة وإن تعددت أشكال البعث نبي يتعرض لمصائب فيقع في الخيار الإلهي، ثم نبي يولد بطريقة غير مقنعة تثير من حوله الشكوك ليعيش حربا نفسية من محيطه القريب الذي يصدح فيه بنبوءته فيقتل صلبا، ثم نبي يولد في زمن كاد أن لا يكون فيولد يتيما يتعرض لمصاعب وحكايات وغربه ثم يبعث ليحارب من ذويه وصولا للقتل فيفر هاربا إلى مكان أخر، هذه الصور تعطي صورة عن إله يحاول أن يكسر قيم مجتمعات يستهدفها بواسطة حالات نادرة وضعيفة بنظرهم لأنهم حاولوا عصيانه والتمرد على ما يريد.هذه الشكلية الملازمة لطرح الفكرة حتى مع أختلاف التفاصيل واختلاف المؤديات تعني نقطة واحدة وهي أن الفكرة ذاتها تتغير لتلائم طبيعة الإنسان المخاطب بها ولترسخ فيه قضية صراع الله مع الإنسان، وأن الله في كل الأحوال ينتصر ليس بقوته فقط بل بأضعف شخص في المجموعة المتمردة، هذه الفكرة لا يمكن أن تكون فكرة إلهية مطلقا، لأن الله لديه قواعد منطقية عامة لا يمكن أن تتغير تبعا لحالات متغيره، العقل الديني يقر بهذه الحقيقة علنا، ولكن لضغط فكرته البشرية ينسب التبدل والتغير والتلائم لله حتى يكسي الفكرة بعدا تراجيديا يتصل باللا وعي العميق للفرد، بأن فككرة التمرد على الله لا تنجح بأي حال والدليل أن الأنبياء بالرغم من ضعفهم تجاه سطوة المجتمع، نجحوا أخيرا في التمرد على المتمردين وسيطروا على كل المقدرات وإلى زمن غير معلوم.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة