07 Feb
07Feb

سعت تركيا خلال الأشهر التسعة الماضية لعرقلة انضمام كلٍ من السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، باستخدام حق الفيتو المتاح لأعضاء الحلف حول قبول الأعضاء الجدد. ويعتقد مراقبون ومسؤولون أوروبيون كُثر، بأن هذا المسعى التركي هو من أجل تحقيقِ مكاسبَ سياسيةٍ داخلية، وأن تركيا سوف تتخلى عنه بعد الانتخابات المقبلة.


ولكن هل تتمكن تركيا حقا من إعاقة توسيع حلف الناتو في وقت تتعمق فيه الحاجة الفعلية للحلف لضمان أمن أوروبا في ظل التهديدات الروسية؟


السويد وفنلندا، اللتان حرصتا طوال الحرب الباردة، على البقاء غير منحازتين للطرفين المتصارعين، وبعد انتهائها عام 1991، لم تشعر حكوماتهما بالحاجة للانضمام باعتبار أن الخطر السوفيتي قد زال ولم يبقَ هناك أيُّ تهديدٍ لأمنهما.


لكن ظروفا جديدة، خلقها الغزو الروسي لأوكرانيا في العام الماضي، أشعرتهما بأن أمنهما القومي يتطلب الانضمام إلى حلف الناتو، إذ شعرت حكومتا البلدين بأنهما قد يتعرضان للتدخلات والضغوط الروسية، لأنهما دولتان محاذيتان لروسيا، وأن التأريخ الحديث شاهد على أنهما ليستا بعيدتين عن التدخلات الروسية في شؤونهما، خصوصا فنلندا، التي تعرضت للاحتلال السوفيتي عام 1939، بعد أن خذلتها بريطانيا وفرنسا.


المسؤولون الأتراك، وفي مقدمتهم الرئيس رجب طيب أردوغان، يعلمون جيدا أنهم لن يستطيعوا ثني حلف الناتو عن قبول السويد وفنلندا أعضاءً فيه، فالدولتان تتمتعان بتأييد 29 دولة عضو في الحلف، من أصل 30، وقد حصلتا أصلا على تطمينات فعلية، بل وقَّع عدد من أعضاء الحلف اتفاقياتٍ ثنائيةً معهما، تلزمها بالوقوف إلى جانبهما، إن تعرضتا لأي تهديدات روسية، حتى قبل نيلهما العضوية في الحلف، وبغض النظر عنها.


كما أن عمليات التنسيق والتأهيل والانسجام بين قواتهما العسكرية وقوات حلف الناتو، جارية على قدم وساق. إضافة إلى ذلك، فإن 28 دولة عضو في حلف الناتو، قد صدَّقت حتى الآن على عضوية الدولتين، ولم يبقَ سوى هنغاريا وتركيا.


هنغاريا أعلنت بأنها سوف تصدِّق قريبا على عضوية الدولتين، ما يعني أن تركيا ستبقى وحيدة في معارضتها لانضمامهما. فهل بمقدور تركيا أن تعيق توسيع الحلف، وتتحدى إرادة 29 دولة، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا؟ ليس هناك من يعتقد بمثل هذا الاحتمال.


قد تكون لتركيا مصالحُ مشتركة مع روسيا حاليا، خصوصا وأنها توسطت بين حلف الناتو وروسيا حول أوكرانيا، ورعت اتفاقية تسويق القمح الأوكراني في العام الماضي، وأن الموقف التركي الحالي المعارض لتوسيع الحلف، يبدو داعما للموقف الروسي، لكن تركيا، في نهاية المطاف، لديها الكثير الذي ستخسره إن هي عرقلت تماسك حلف الناتو وتقدمه وتعزيز قوته، خصوصا وأنها عضو فيه منذ 71 عاما.


تطرح تركيا استقبال السويد للاجئين الأكراد المؤيدين لحزب العمال الكردستاني (بي كي كي)، على أنه "رعاية للإرهاب"، لأنها تعتبر هؤلاء إرهابيين، لكن السويد تعتبرهم لاجئين حقيقيين بسبب تعرضهم للاضطهاد في تركيا. وتشترط تركيا على قبول السويد في الحلف أن تتخلى عن استقبال المعارضين الكرد، وأن تسلم أكثر من مئة شخص مطلوبين للحكومة التركية. لكن السويد لا تستطيع أن تفعل ذلك لأنه يتعارض مع القانون السويدي. كما لا تستطيع أن تمتنع عن استقبال اللاجئين لأن ذلك يتعارض مع الدستور السويدي الذي يلزم الحكومة باستقبال اللاجئين.


عرضت تركيا الفصل بين طلبي السويد وفنلندا للانضمام إلى الحلف، كي تؤيد انضمام فنلندا، بينما تنتظر من السويد أن تقدم تنازلات لها بخصوص استقبال أعضاء حزب العمال الكردستاني كلاجئين، لكن الطلبين كانا مرتبطين ببعض، بل رفض وزير خارجية فلندا، بيكا هافستو، أي فصل بين طلبي البلدين، باعتبار أن طلب فنلندا لنيل عضوية الناتو كان مساندة للسويد.


آخر اشتراطات تركيا هي أن "توقف السويد عمليات حرق القرآن" في إشارة إلى إحراق السياسي الدنماركي/السويدي المتطرف، راسموس بالودان، نسخة من القرآن الكريم أمام السفارة التركية في ستوكهولم. وكان بالودان قد ارتكب مثل هذه الأفعال المتطرفة في السابق، ولكن هذه المرة يبدو أنها مدبرة بأهداف جيوسياسية تتعلق بإعاقة انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، أو على الأقل تأخيرها.


ومن الأدلة على مثل هذه العلاقة أن الشخص الذي تقدم للحصول على إجازة للتظاهر أمام السفارة التركية في ستوكهلم، والتي شارك فيها بالودان، هو الصحفي السويدي، تشانغ فريك، المعروف أيضا بالتطرف. وحسب جريدة الغارديان البريطانية فإن فريك مرتبط بالسلطات الروسية، إذ كان يعمل في قناة روسيا اليوم التي يمولها الكرملين.


ورغم أن فريك ينفي علاقته بالسلطات الروسية، ويقول إنه لم يعد يؤيد روسيا منذ احتلالها شبه جزيرة القرم عام 2014، غير أن هذا النفي يتعارض مع الحقائق. فقد اعترف فريك في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز عام 2019، بأن زعيمه الحقيقي هو فلاديمير بوتن، ملوِّحا لمراسل الصحيفة بحزمةٍ من العملة الروسية، الروبل.


واعترف فريك بأنه فعلا دفع رسم إجازة التظاهرة، لكنه لم يدعُ أحدا لحرق القرآن الكريم. بينما يتهم وزير الخارجية التركية، مولود جاويش أوغلو، السويد بـ"المشاركة في جريمة حرق القرآن" حسبما ورد في مجلة الإيكونوميست.


وكانت البلدان الثلاثة قد انخرطت في محادثات لحل الخلافات القائمة بينهما، وقد رفعت السويد وفنلندا الحظر الذي فرضتاه على بيع الأسلحة لتركيا، إثر تدخلها العسكري في سوريا عام 2019. كما وعدت السويد بتجريم العضوية في المنظمات الإرهابية، بما فيها حزب العمال الكردستاني، في مشروع قانون يعرض هذا الشهر على البرلمان السويدي، لكن تنفيذه يتطلب تعديل الدستور السويدي، وهذا الأمر لن يحصل قريبا.


قد تطلب البلدان الأوروبية تدخل الولايات المتحدة لحل المشكلة، عبر الضغط على تركيا للتخلي عن معارضتها لانضمام البلدين. وكان عدد من أعضاء الكونغرس الأمريكي قد هددوا بوقف صفقة بيع طائرات (أف 16) لتركيا إن هي أصرت على موقفها المناهض لانضمام السويد إلى حلف الناتو.


من الواضح أن تركيا تحاول استغلال هذه العملية لتحشيد الدعم الانتخابي للرئيس أردوغان في الانتخابات المقبلة، المقررة في 18 يونيو المقبل، والتي قد تجرى في 14 مايو، وفق إعلان رسمي من الرئاسة التركية.


ويعتقد مراقبون ومسؤولون في كل من فنلندا والسويد بأن تركيا سوف تتخلى عن معارضتها لانضمام السويد وفنلندا بعد إجراء الانتخابات، وأن البلدين سوف ينضمان رسميا إلى حلف الناتو في 11 يوليو المقبل، أثناء انعقاد مؤتمر قمة قادة الحلف في العاصمة الليتوانية، فيلنيوس.


ويرى وزير خارجية السويد، توبياس بيلستروم، في تصريح لمجلة الإيكونوميست بأن الحكومة التركية ستغير رأيها بعد الانتخابات المقبلة "وقد رأينا مراتٍ عديدةً في السابق أن السياسة المحلية التركية قادت إلى مثل هذه المواقف" حسب قول بيلستروم.


لن تستطيع تركيا على الأرجح أن تعيق انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، فمثل هذا الأمر يتعلق بالأمن العالمي، وأن الدول الأوروبية والغربية عموما، خصوصا الولايات المتحدة، لن تسمح به، وأن تركيا سوف تخسر كثيرا إن أصرت على موقفها الحالي، وأن هذا الموقف، الذي ينفع الرئيس التركي سياسيا، ويحقق له بعض المكاسب، لن يخدم مصلحة تركيا على الأمد البعيد، وأنها سوف تتخلى عنه حال انتفاء الحاجة له بعد الانتخابات.


* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *

 

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة