قد تكون اهم صفة بارزة لدى المثقف الحالي هي السطحية ، أن سطحية الطرح تظهر من إبداء الرأي بشتى مجالات الحياة دون أن يؤصل المثقف فكرته ، اي تقديم رؤية بامتداد زمني ،يشخص من خلالها الأســــــــــباب و يفهم قابليتها عبر عمرها التاريخي على أن تتحلل تحت مجهر التاريخ الطبيعي. في السابق كانت مهمة اي باحث، تستند على المنتج التحليلي للتاريخ ، منهج تحليلي يساعده على فهم العلاقات السببية والتأثيرات المتراكمة للأحداث عبر الزمن.
من خلال ذلك ، يستطيع أن يكشف عن الجذور التاريخية للمشكلات والتحديات المأزومة ، ثم يبحث في كيفية تطور الفكر والثقافة والسياسة على مر العصور.
بالنظر إلى التاريخ بشكل عميق، ندرك أن الأحداث الحالية لها جذور وتأثيرات متعددة، وأن التغييرات الكبيرة لا تحدث عادةً بشكل فجائي، بل تنبع من تفاعلات معقدة ومتراكمة .
لذلك، فإن التاريخ يعمل كأداة لاستكشاف هذا العمق والتعقيد، ويعزز من قدرتنا على التفكير النقدي والتحليلي في الأمور المعاصرة. اعادة تعريف أن ذلك التبجح الذي جاء مع التيارات الفلسفية بعد الحداثية حول إعادة تعريف الحقيقية و تجريدها من اي مطلق تاريخي رصين و إحلال أفكار لا تعتمد على اي بنى أساسية، بوصفها تقليدية وفتح الجدال في مواضع قضى الإنسان آلاف السنوات حتى اخبرته التجارب بما هو صائب أو مغلوط. منحت هذه الأفكار الثقة الكاملة في تصدير الطرح غير الرصين. و هناك العديد من الأمثلة التي تفسر تلك النظرة العدائية اتجاه الأصالة نجد جاك دريدا، الذي يرى أن اللغة هي نظام من العلامات التي لا تحمل معنى ثابتًا بذاتها، بل يتشكل المعنى من خلال العلاقات بين هذه العلامات. لو طبقنا نظريته على الجندر، هذا يعني أن الفئات مثل «ذكر» و»أنثى» ليست حقائق ثابتة، بل مفاهيم تتشكل من خلال الســــــــــياقات اللغوية والثقافية. يشير دريدا إلى أن أي محاولة لتعريف الهويات الجنسية بشكل ثابت ومطلق ستواجه بالفشل، لأن المعاني تتغير باستمرار و لا يمكن احتوائها بقالب طبيعي صارم! أما جيل دولوز، الذي تعاون مع فيليكس غاتاري في العديد من الأعمال، يساهم في هذا النقاش من خلال اطروحاته التي تركز على التعددية والاختلاف. ، يقترح دولوز أن الهويات الجنسانية ليست ثابتة أو موحدة، بل تتشكل من خلال شبكة معقدة من القوى والتفاعلات. و بعدها ميشيل فوكو، الذي اهتم بزعزعة الثقة بالسلطة كمفهوم مطلق و كيفية تشكيل خطاباتها. و يرى أن المفاهيم والحقائق لا تكون مستقلة عن السلطة، بل تتشكل من خلالها ومن هذا يمكن التشكيك في كل الحقائق بأعتبارها ذات توجه سلطوي بالضرورة. هذه الظاهرة لا تساهم فقط في إضعاف الفهم التاريخي الدقيق، بل تفتح المجال لنشر الأفكار المغلوطة والمضللة، التي تفتقر إلى التحليل العميق والتفكير النقدي. عندما يتم تهميش الحقائق التاريخية والثوابت المجربة، يصبح من الصعب التمييز بين المعرفة الحقيقية والوهم، مما يؤدي إلى تشتت الفكر وضياع البوصلة التي توجه المجتمعات نحو الحضارة. أن ما يعبر عنا كطبيعيين أقصد ، هو قدرتنا على العزل بين ماهو طبيعي و ما هو طارئ على النظام الطبيعي ، حتى الثاني نحاول أن نفهم متى جاء و كيف تفاقم و أصاب ذلك النظام باللوثة. تلك نزعة الغرور التي أصابت الإنسان وجعلته يعتقد بأنه قادر على أن يتحدى و يعلن تبجحه أمام التاريخ «غير أنها ليست سوى لحظة إذ يكفي أن تتنهد الطبيعة « بتعبير نيتشه يفنى الكون وتموت الحيوانات الذكية.
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"