23 Jul
23Jul

بدأنا نسمع هذه الجملة القصيرة المعبرة أشد التعبير، كجملة واقعية تسمعها، ولا تملك سوى القبول بها، وفي ألمانيا (ربما أكثر من الدول الاخرى) يصارحون المريض بحالته الصحية مهما بلغت درجة حراجتها، لأنها أفضل الحلول. لا سيما حين يقولها لك طبيبك الذي تعرفه ويعرفك منذ أكثر من 20 عاماً، وأنتما فوق الصلة الطبية، أصدقاء ..
وحين يتقدم الإنسان في العمر، تكون النهاية ماثلة امام عينيه، لذلك فله كل الحق أن يعتقد مع كل عطسة، أنها بداية النهاية. ويسمع من مسنين مثله، أو من الأطباء، أو من خلال الاعلام وهي اليوم كثيرة جداً، يسمع ويقرأ أن كبار السن عليهم أن يتجنبوا إجراء عمليات جراحية ولا سيما العمليات الكبرى، وقد يصارحك الطبيب إذا لمس فيك قوة القلب على تحمل وقع النصيحة بقوله : «  لم يبق ما يستحق العناء والمجازفة «.
لا تبتأس ولا تقنط … سوف لن يبقى أحد، الكل سائرون على الدرب … فهي مسألة طبيعية جداً.. الأمر هكذا: الكل يسير فوق سطح بحر عميق لا قرار له لم يكشف حتى العلم الحديث أبعاده، متجمد يحتمل السير وربما حتى الركض فوقه، ولكن من الممكن أن تكون بعض ارجاءه هشة، أو تسوقك الأقدار حيث لا تدري أن تسلك الدروب الهشة، البحر العميق جداً ، ودون ضجة يبتلع من يسير فوقه، لا علاقة كم هو سنك، وما هي تفاصيل وضعك، وإذا ما تجاوزت في مسيرتك الظافرة مؤشر الكيلومتر  70 عاماً،  يبدأ احتمال هشاشة الجليد يتزايد،
كيف تستعد لهذا الحادث  …!
أولاً : لا شيئ يبعد الحدث عنك نهائياً، فالاحتياطات (الغذاء الجيد، ثم العلاج الممتاز) ربما ستؤجله.
ثانيا ً: إن تملكك الخوف والحزن، فلا يخفف منه سوى براءتك كما يقول هنريك أبسن « السعادة تتكون قبل كل شيء من أحساس هادئ بالبراءة والبعد عن الذنب» (*) وأنت لم تؤذ أحداً يمثل امامك ويحاسبك في قعر البحر، أو في إحدى أرجاؤه الفسيحة.
صراعات اجتماعية
ثالثاً : لك الحق أن تتمنى أن يأتي الحدث (النهاية) بسلاسة وبهدوء، دون أن تزعج أحداً. شخصيا أعرف أشخاص غادروا الحياة وهم يبتسمون .. ربما أن أحداً ما همس في أذنهم : اهلا بك ومرحبا لا تخشى شيئاً، فمضى فرحاً سعيداً
تعامل مع الحالة بواقعية، وثقة، فقد تكون الحياة الثانية أفضل من الأولى .. شخصياً أتوقع أن تكون الآخرة مثل الاشتراكية، نأمل معي : خالية من الصراعات الاجتماعية، فلا وجود للثروة، ولا لمظاهرها، قصور وسيارات فاخرة، ولن يكون بوسع أحد الاعتداء عليك بدنياً أو معنوياً تحت أي شعار كان، ولست مضطراً لدفع الإيجار،  ونفقات الماء والكهرباء، ولا توجد مستشفيات وأدوية …! فإنقاذي من الجلطة الدماغية مثلاً، كلفني مبلغ ضخم … تولى المجتمع الألماني دفعه بطيبة خاطر ..!
إن حلت الدقيقة فلا شيئ يؤجلها …. أرحل مطمئناً فأنت ذاهب إلى حيث لا يوجد حقد وكراهية، لا ثري ولا فقير، ولا أحد يفلت من الحساب والكتاب … شخصيا يهمني شيئ واحد أن توجد حولي مكتبة عامة، والأهم كومبيوتر ممتاز وأنترنيت .. وبالتأكيد هناك نظام ممتاز للاتصالات أفضل من الموبيل، واللغة العربية بالتأكيد هي السائدة كلغة تفاهم وثقافة، لأنها لغة قديمة وجذر وأصل كثير من اللغات،..لا تخشى شيئاً … الدنيا الآخرة أفضل من التي نعيشها، فلا عنصرية ولا طائفية، ولا إمبريالية، ولا صراع طبقي ..!
في الحياة الأخرى، فأنت بيد من يدير الحياة … وحتماً برحمة وبسعة وسماح والعفو ، لا تخف، والناس الذين كان سلوكهم في الحياة الدنيا مفيداُ، مهذبا، وكانوا عناصر خير في الحياة، أعتقد ستتاح لهم فرصة أخرى للعودة للحياة … وأياك ثم أياك من الجرائم الصعبة (القتل والنهب والخيانة) والأساس هو أن لا يكون سجلك الجنائي كبيراً، فمن قتلته سيعاتبك في الآخرة .. مجرد عتاب، بكلام اخوي طيب، يجعلك تذوب خجلاً ….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) هنريش أبسن : نرويجي عملاق المسرح العالمي


الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة