أشرنا في مقالات سابقة الى صراعات الزعامة والسلطة في البيوتات السياسية في العراق ومنها البيت السياسي السني والسيناريوهات المحتملة وإثرها على مجمل المشهد السياسي في العراق، وقد يكون هذا الواقع التصارعي جزء من مخرجات العملية السياسية في العراق، فمن حيث الشكل أسست هذه العملية على ادبيات ديمقراطية لكن من حيث الواقع يسودها أنماط سياسية واجتماعية لا تمت الى فلسفة وجوهر الديمقراطية بصلة. كما سبق وان أشرنا الى ان تداعيات الصراع في البيت السياسي السني هو الجانب التصارعي حول المناصب السيادية العليا ومن ذلك موقع رئيس مجلس النواب، وقد كان متوقعاً إزاحة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي من موقعه بطريقة او بأخرى في ضوء ما تشهده العملية السياسية من تجاذبات وتحالفات سياسية إضافةً الى الابعاد الإقليمية التي تلقي بضلالها على المشهد العراقي. وتعود أسباب إزاحة او اقصاء الحلبوسي من رئاسة مجلس النواب الى عدة عناصر تتداخل فيها الابعاد السياسية بالقانونية والانتخابية، وكذلك بأصل الصراع الكامن حول الزعامة وتصدر شخصية الحلبوسي او حتى غيره بصورة شبه مطلقة على البيت والمشهد السياسي السني فعليا، ان المشهد السياسي العراقي شهد قبل انتخابات تشرين الأول 2023 تحول من الكتلة المكوناتية الى تحالفات طولية تضم أحزاب وتكتلات محددة من كل مكون، وربما يتكرر ذات المشهد مع أي انتخابات برلمانية مبكرة او غيره ستضع الحلبوسي في مواجهة سياسية مرة أخرى مع الاطار الشيعي الحاكم في ظل خصومته المستدامة مع الكتلة الشيعية الصدرية، في حين يرغب الاطار التنسيقي الشيعي بإقصاء حلفاء التيار الصدري بالماضي القريب او بالمستقبل، وتمكين حلفائه من السنة والكرد وربما هذا تحقق بالفعل بدءاً من اختيار رئيس الجمهورية المقرب من الاطار، واقصاء رئيس البرلمان بعد التمكن من المضي بتشكيل الحكومة بعد صراع مع مشروع التيار الصدري المتمثل بالأغلبية الوطنية. وامام مشهد اقصاء الحلبوسي من مجلس النواب كيف سيدير ما يعتقده استحقاقات حزب تقدم الحاصل في الانتخابات الأخير اكثر من ثلاثين مقعدا داخل مجلس النواب؟، على مستوى عودة الحلبوسي الى رئاسة مجلس النواب بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا بإنهاء عضويته من مجلس النواب في قرار وصف بانه ذو جنبه سياسية وليس من صلاحيات المحكمة الحصرية التي رسمها الدستور والقوانين النافذة، وانما جاء ليغطي حالة الصراع السني ــ السني، والصراعات الشخصية ما بين الحلبوسي نفسه وبين عدد من الأشخاص ابرزها صاحب الدعوى الدليمي الذي ينتمي الى ذات حزب الحلبوسي نفسه قبل ان يغير من مواقفه لأسباب مجهولة اضطر على اثرها الحلبوسي بالتلاعب بورقة استقالته إضافة الى الخصومات الشخصية ما بين الحلبوسي وبين النائب الحالي والمقصى سابقا من مجلس النواب باسم خشان، فعلى مستوى عودة السيد الحلبوسي الى رئاسة مجلس النواب تبدو المسالة في غاية الصعوبة والتعقيد والاحراج رغم التدخلات الداخلية والخارجية، كون ان المحكمة اكدت بأكثر من مرة بانها قرار انهاء العضوية بات ملزما للجميع وغير قابل للطعن، فيما تحاول كتل سياسية أخرى تقديم عروضها للحلبوسي في تقبل قرار المحكمة، ومن هذه العروض الآتي: 1- اختيار رئيس مجلس النواب من داخل حزب الحلبوسي نفسه، في قبال تقبل الحلبوسي للقرار، خصوصا على مستوى الموقف السياسي والحزبي والشعبي الرافض لقرار المحكمة. ويبدو هذا الخيار محل اختلاف أيضاً من اوساط داخل الإطار التنسيقي التي تريد تقديم شخصاً من السنة لرئاسة مجلس النواب من حلفائها، وهؤلاء يعملون بقوة وبالاستعانة بأطراف إقليمية. وإذا ما سار هذا الاختيار قد ترتب عليه تسويات أخرى أهمها بقاء قائمة الحلبوسي داخل السلطتين التشريعية والتنفيذية، والمضي بالمشاركة في انتخابات مجالس المحافظات المزمع اجراءها في نهاية شهر كانون الأول. 2- الخيار الثاني إذا لم يتحقق ما جاء في المحور الأول، وأصر الإطار التنسيقي في استهداف كامل للوجود السياسي لشخص وحزب الحلبوسي، قد يرتب على ذلك تصعيد سياسي وشعبي من قبل الحلبوسي عبر مجموعة خطوات أهمها الانسحاب كليا من السلطتين التشريعية والتنفيذية، والانسحاب من المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات، وكذلك اللجوء الى الشارع خاصة في المحافظات ذات النفوذ الشعبي مثل محافظة الانبار غرب العاصمة بغداد. فيما سيعول في الوقت ذاته بتكوين تحالف سياسي أكبر يقف بوجه مشروع الاطار التنسيقي القاضي بالتفرد بالسلطة، واقصاء خصومه السياسيين من كل الكتل والمكونات كما تشير الأطراف المعارضة للاطار.
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"