الديمقراطية، بكلمة أدق وباختصار : هي مشاركة أكثر قدر من الناس في الحياة …هذا هو التناقض الأول بين المعلن رسمياً، وما يدور في الواقع. فالمشاركة، والتمتع بالحياة تضيق يوماً بعد يوم في الولايات المتحدة، المال والثروة بيد فئة محدودة جداً، أعلن مكتب الإحصاء الأمريكي أن عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر في الولايات المتحدة قد ارتفع بنحو 1.5 مليون، إلى ما يقرب من 41 مليونًا بين عامي 2019 و2022، ما رفع معدل الفقر إلى 12.6 بالمئة على مستوى البلاد.وذكر معهد بروكينغز، وهو مؤسسة غير ربحية في الولايات المتحدة، في تقرير جديد، أن الفقر يتزايد بشكل أسرع في الضواحي الأميركية بثلاثة أضعاف زيادته في المدن الكبرى. وأوضح التقرير أن ما يقارب نصف الناس في الولايات المتحدة، وتحديدا 47 بالمئة يعيشون في الضواحي، و21 بالمئة يعيشون في مدن كبرى. بينما يعيش 18 بالمئة من السكان في مناطق صغيرة ومتوسطة الحجم، و14 بالمئة يعيشون في المناطق الريفية. والتأمين الطبي لا يعيش فيه إلى القليل من المواطنين، كما أنه(التأمين) لا يشمل الكثير من الحالات. أما الحياة السياسية، فتقع في احتكار تام لصالح فئة معينة، وفي دراسة لشؤون الانتخابات الأمريكية، نجد الغرابة الشديدة في قانون الانتخابات الأمريكي، الذي لا يماثله قانون انتخابي في أي بلد من بلدان العالم، ورغم أن القانون أو جزء منه أو روحه (Spirit oft he low) يعود إلى عهد تأسيس الولايات المتحدة 1789 إلا أن هذا القانون ما يزال ساري المفعول رغم ما يثار ضده من طلبات تغير. ومنذ عام 1853 أي الرئيس الرابع عشر فرانكلين بيرس وحتى الآن يتداول الحزبان الجمهوري والديمقراطي السلطة بلا انقطاع بصورة منتظمة تقريباً، والانتخابات المقبلة هي الرئيس الستين. وكل فترة رئاسية هي لأربعة سنوات. الرئيس الاول يتبادل الجمهوريون والديمقراطيون الحكم بشكل متوال منذ عام 1853 (171 عاماً ولم يشذ عن القاعدة منذ انتخاب الرئيس الأول، سوى عشرة رؤساء (الرئيس الأول جورج واشنطن: 1789 / 1797). يمثلون : 1.رئيس مستقل (الرئيس الأول). رئيس من الحزب الفيدرالي.رئيس من الحزب اليميني.رئيس من الحزب الجمهوري الديمقراطيرئيس من الحزب الديمقراطي.رئيس من الحزب الجمهوري.وغالباً يعاد انتخاب الرئيس لولاية ثانية إلا ما ندر (بسبب الوفاة أو الاغتيال، أو الاستقالة). وقانون انتخاب الرئيس الأمريكي معقد بدرجة قد لا يفهمه المواطن الأمريكي العادي، وأما الترشيح لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية فمعقد غاية التعقيد، يمر بمراحل عديدة ابتداء من طرح أسمه كمحتمل للترشيح من قبل دوائر سياسية / أمنية ذات قيمة اعتبارية عالية، ومراقبة ردود الأفعال على طرح أسمه، ويتم تداول الأسماء المقترحة سراً، ثم تبرز للعلن، وتجري مراقبة دقيقة لردود الأفعال وأصداء الترشيح، وتجمع المعلومات التفصيلية عنه وعن انحداره العرقي والديني والعائلي الشخصي. وهناك عرف (قاعدة متعارف عليها) أن لا يصل إلى منصب الرئيس إلا من فئة واسب (WASP) وهي اختصار لكلمات : أبيض، أنكلو سكسون، بروتستانت. وقد نفذ هذا العرف في تاريخ الولايات المتحدة الانتخابي طيلة 167 عاماً، وقد خرقت هذه القاعدة مرتين: الأولى في ولاية الرئيس الأمريكي الرابع والأربعون الكاثوليكي جون كندي الذي اغتيل في 22 / تشرين الثاني / نوفمبر / 1963. وفي ولاية الرئيس السادس والخمسون بارك أوباما، الذي هو بروتستانتي/ ابراشانيون) ولكنه ينحدر من أب أفريقي (كينيا) وأم أمريكية(من أصل إيرلني / أنكلوسكسون) بيضاء. كما جاءت لسدة الحكم (الرئاسة) شخصيات لا تصلح لهذا المنصب بتاتاً. حرب عالمية والديمقراطية لم تكن في أوربا أفضل حالاً، فهي من جاءت بموسوليني للسلطة ( 1922/ 1945) وأدولف هتلر (كانون الثاني / 1933 إلى أيار 1945)، وسالازار كديكتاتور لحكم البرتغال ( 1932 ــ 1969) والجنرال فرانكو كديكتاتور لاسبانيا لقب نفسه بالزعيم (كوديو) (1935/ 1975)، وفي أول انتخابات بعد الحرب العالمية الثانية في إيطاليا (1949) فاز بها الحزب الشيوعي الإيطالي، فما كان من الجيش الأمريكي إلا وأستولى على صناديق الانتخابات وقذف بها للبحر، مما أضطر السلطات أن تعيد الانتخابات وتفوز بها عناصر على تنسيق مع أجهزة الأمن الأمريكية. وحكم جنرالات الجيش اليونان بانقلاب عسكري (1974 / 1967) مدعوم أمريكياً. والحكومات الديمقراطية نفسها تتوالى على حكم البلاد، ونتائج الانتخابات معروفة سلفاً.وحيثما حلت وتوصلت أذرع الولايات المتحدة، وتدخلاتها في الشؤون الداخلية للبلدان التي تتحكم بها، من فيثنام الجنوبية حيث حل الحاكم العسكري الجنرال (سنغمان ري / 1960) والجنرال نيغودين فان ثيو في فيثنام الذي وضعته القوات الامريكية على رأس البلاد، وأطاحت به الثورة الشعبية. وكذلك الانقلاب المسلح الذي قادته الولايات المتحدة بقيادة الجنرال سوهارتو في اندونوسيا عام 1967 ومكث في السلطة حتى عام 1998. والغريب أن الولايات المتحدة التي دعمت سوهارتو بوجه السلطات الشرعية، اعتبرت عهده تصديا للفساد المستشري في أندونوسيا، في حين تعاني الدولة الاندونوسيه حتى الآن في استعادة 38 مليار دولار هي ثروة سوهارتو الشخصية. ولا حصر لعدد الانقلابات العسكرية التي كانت بتخطيط وتنفيذ المخابرات الأمريكية. والتي جاءت بسلطات عسكرية غاشمة قمعت الحركات الديمقراطية في كافة أرجاء القارة الأمريكية الجنوبية. ولكن أشهر تلك التدخلات الصريحة المفضوحة، كانت ضد الرئيس الديمقراطي المنتخب في تشيلي، سلفادور اليندي، الذي وصل السلطة عام 1970 / وأطيح به بأنقلاب عسكري دبرته الولايات المتحدة مع قائد الجيش الجنرال بنو شيه عام 1973 واغتالت الرئيس الشرعي المنتخب، وحكم الجنرال بالقوة المسلحة الغاشمة البلاد. الانتخابات العامة غالباً ما تثار الشكوك حولها، والسلطات العميقة في البلدان الرأسمالية تتخذ كافة السبل الكفيلة بأن تأتي النتائج كما هو مطلوب ومرغوب. وبنتيجة خيرة طويلة لأكثر من قرن، وقوانين انتخاب صيغت بدقة بالغة، تتحكم أجهزة الدولة العميقة بمن يراد إيصاله للمراكز المتقدمة، وقدر ما يخرج عن السيطرة هو ضئيل جداً، أو شبه معدوم. وفي الولايات المتحدة، اكتنفت الانتخابات الرئاسية للرئيس بوش الأبن، وترامب، وبايدن، تداخلات مريبة، شككت جميع الأطراف احتمال التزوير، والتدليس فيها، بل وحتى رفعت فيها دعاوي قضائية لم تفض لشيئ. وفي التاريخ الأمريكي هناك سوابق تدعو للمشبوهية، وفي مقدمتها القضية المشهورة التي افلتت من مقصات الرقابة، هي فضيحة وترغيت / 1972 (Watergate scandal) حين نصب الحزب الجمهور ومرشحه ريتشارد نيكسون أجهزة تنصت وتجسس على غريمه مرشح الحزب الديمقراطي،(جورج ماكغفرن)، وتمسك الديمقراطيون بحقوقهم، وأدين الرئيس فاضطر للأستقالة. هذا غيض من فيض، وما أفلت من أيدي الرقابة، وسمح بأطلاع الناس عليه. ففي الانتخابات عام 1968، فاز فيها الرئيس نيكسون بصعوبة بالغة(حسب المعطيات الرسمية) على مناقسه هيوبرت همفري بنسبة 43,5% مقابل 42% لمنافسه همفري. وشيئاً مماثلا حافل بالشبهات في الانتخابات الثانية للرئيس ترامب، وحين أعلن عن فوز الرئيس جو بايدن كان ذلك يمثل مفاجئة، وصدمة للجمهوريين الذين أعربوا عن احتجاجهم بدخول بناية البرلمان والشيوخ(الكابيتول)، وأضطر الرئيس المنتخب إلى إنزال الجيش إجهاضاً لتحول الاحتجاج لانتفاضة وربما لثورة أو حرب أهلية. فكل شيئ ممكن في الولايات المتحدة الامريكية. وجهة ما اخبرت ترامب والجمهوريين بدم بارد : أسمعوا، لقد قضي الأمر، انتم لم تكسبوا الانتخابات، أذهبوا لبوتكم وأصمتوا، وبعد 4 سنوات انتخابات أخرى …. سنى ما يمكن فعله ..! ماذا يجري في الولايات المتحدة …. أهو (تعب المعدن) وهو مرض يصيب بدن الطائرات بمرور الوقت فيفقد خواصه وخاصة صلابته، أن مسار الاحداث تصل إلى محطة يضج القطار بعبث ركابه ..؟ مجتمع ضجر من كثرة الحروب، والآن يجتاحه الغلاء ولم يكن بالجنة الموعودة ..! ما هي المحطة المقبلة ..؟
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"