26 Jun
26Jun

تصدى شيعة العراق للعمل السياسي الرسمي مشاركين أساسيين في الحكم منذ 2003 بعد فترة إقصاء دموية امتدت قرون طويلة مليئة بالظلم والتهميش والتعسف.
ولم يكن طريق الحكم مفروشا بالورود، بل محاطا بالتحديات والمفخخات والألم والمقاطعة، لأن قوى دولية وإقليمية ومحلية لا يروق لها أن ترى الشيعة في مقاعد الحكم المتقدمة.
فتظافرت جهودها وتناسقت أدوارها، وعملت منذ 2003 على إفشال تجربتهم بحرب مدمرة اتخذت أشكالا عنيفة وتشكلت أيضا على نحو من المقاطعة السياسية والاقتصادية والثقافية.
وما زال التحدي قائما، ومخطئ من يظن انه سينتهي بل سيأخذ أبعادا أخرى كالحرب الناعمة والهجوم الثقافي والفكري الذي يستهدف عقول الاجيال الشيعية الشابة.
وكان يفترض أن يؤدي هذا المعترك المؤلم الى تحقق نسبة عالية من الوعي لدى جمهور الشيعة وساستهم أيضا، لأن من يستهدفهم لا يفرق بين شيعي بصري وآخر كربلائي أو نجفي أو بغدادي.
كما لا يفرّق بينهم على اساس الانتماء السياسي، فكلهم أهداف موضوعة على قائمة الاستهداف بانتظار اللحظة المناسبة.
وبينما تؤكد كل السنن الطبيعية أن الكائنات الحية تتحد لحظة الخطر المحدق وتسمو على خلافاتها، لأن تفرقها يجعلها فريسة سهلة لمن يستهدفها.
نرى محسوبين على الوسط السياسي الشيعي يعيشون في غيبوبة سياسية، فيهاجمون رموزا شيعية بأكاذيب ينقصها الدليل والبرهان، ويتسببون بانقسامات بين الجمهور الشيعي لا مبرر لها.
الغريب أن هؤلاء يتغافلون عن فساد مفضوح مارسته وما زالت جهات سياسية عراقية من خارج الوسط الشيعي.
ويتغاضون عن تجاوزات دستورية صارخة لجهات أخرى. لكنهم يصرّون على اجترار أباطيل روجها الاعلام المعادي للعراق دعما لمؤامرة داعش في سنوات سابقة.
فلو تحلى هؤلاء بشيء من المسؤولية لتجنبوا إثارات واهية تشتت شمل الشارع الشيعي الذي سئم مناكفات بعض ممثلية وصراعاتهم ويحتاج الى الهدوء والاستقرار الذهني والاجتماعي.
ولو كانوا على قدر ولو بسيط من الوعي السياسي لأدركوا أن داعش كان مؤامرة دولية استهدفت العراق بعد أن أجبرت الحكومة العراقية القوات الاجنبية على الانسحاب في 2011، والمؤامرة كانت كونية بكل معنى الكلمة وتفوق قدرات العراق.
ولو تمتعوا بشيء من الإنصاف لقيّموا أداء الحكومات بعد 2003 بما يمليه عليهم الإنصاف والمروءة.
فكل الكتل السياسية بمختلف انتماءاتها الطائفية شاركت في تلك الحكومات باستثناء حكومة الكاظمي التي لم يشارك فيها تحالف دولة القانون.
فاذا كانت كل الكتل السياسية شاركت بإدارة الدولة من خلال وزرائها، فَلِمَ يتم تجاهل هذه الحقيقة والادعاء بأن رمزا سياسيا بعينه هو من يتحمل مسؤولية فساد هذه الكتل؟.
ثمّ أن العرف السياسي العراقي بعد 2003 قد درج على أن كتلة رئيس الوزراء في حكومات ما قبل الكاظمي لا تملك وزارة في الحكومة التي يرأسها زعيم الكتلة، على اعتبار أن منصب رئاسة الوزراء يستنفد كل نقاطها.
إذن ففساد الوزارات يعاب على وزرائها وكتلهم، والقصور في مواجهة الفساد يُسجّل إخفاقا على الهيئات المعنية بمكافحة الفساد وهي مستقلة.
المفارقة الاخرى أن هذا البعض يريد أن يصور العراق على أنه حديقة وادعة لولا أن رئيس وزراء شيعي بعينه” لم يقم بواجبه”!.
طيب ما الذي حصل بعد أن ترجّل رئيس الوزراء المقصود وترك الساحة السياسية لغيره؟.
هل انحسر الفساد أم ازداد؟.
سرقة القرن وحدها تفضح كل المدعيات بتحسن أوضاع البلاد فيما يخص مكافحة الفساد، وانهيار الدولة منذ 2019 وحتى تشكيل الحكومة الحالية يفضح الادعاء بأن الأوضاع كانت أفضل بعد أن غادر رئيس الوزراء المقصود السلطة.
المطلوب في هذا المنعطف التاريخي الكثير من الوعي والانصاف والمروءة بدلا من التهور والخفة والـ”طفگة”.


* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *
 

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة