لا شك أن الرقابة وظيفة تقوم بها السلطة المختصة بقصد التحقق من أن العمل يسير وفقاً للأهداف المرسومة بكفاية وفي الوقت المحدد لها، فالرقابة هي نشاط هدفه متابعة تنفيذ السياسات الموضوعة وتنميتها والعمل على اصلاح ما يعتيريها من ضعف حتى يمكن تحقيق الاهداف المنشودة ، ويلاحظ أن المشرع العراقي قد أعطى لمجالس المحافظات باعتبارها الهيئات المحلية المنتخبة صلاحيات تشريعية وإدارية ومالية واسعة إلا أنه لم يعطي لهذه المجالس صلاحية الإدارة والانشاء وهذا من شأنه أن يجعل هذه الصلاحيات غير متناسبة، حيث قصر دور المجلس على الرقابة في جوانب معينة، في حين يفترض وفقاً لهذه الصلاحيات الواسعة أن يمارس مجلس المحافظة دوراً أكبر في مجال الإدارة والانشاء والرقابة، وإلاّ فقدت هذه الصلاحيات دواعي منحها لمجالس المحافظات، وعلى مستوى رقابة الهيئات التنفيذية في المحافظة نجد ان المشرع منح مجالس المحافظات اختصاص الرقابة على جميع أنشطة ودوائر الدولة في المحافظة لضمان حسن أداء أعمالها ، وهذا النوع من الرقابة لا يمكن عده رئاسياً، لأن الرقابة الرئاسية مفترضة ولا تحتاج لنص القانون وشاملة مع امكانية الغاء أو تعديل أو تصديق التصرفات القانونية الصادرة من المرؤوس أو الحلول محله، كما يمكن فرض العقوبات الانضباطية عليه، وهذا ما لا يتوفر في رقابة مجلس المحافظة على أنشطة ودوائر الدولة ، ويمكن أن نسجل على مسلك المشرع العراقي في تنظيم هذا النوع من الرقابة الملاحظات الآتية : 1- لم يحدد المشرع آليات ووسائل مباشرة الاختصاص الرقابي، باستثناء الاستجواب قبل التصويت على اقالة المحافظ أو إعفاء ذوي المناصب العليا، دون أن يبين آلية الاستجواب بشكل مفصل وهذا يعد نقص تشريعي من شأنه ان يجعل فعالية الرقابة شبه منعدمة بسبب غياب أدواتها الرقابية، في حين نجد أن المشرع المصري نظم آليات مباشرة المجالس الشعبية للرقابة وحددها (بحق تقديم الاقتراح، الاستيضاح، السؤال، الاستجواب) . الزام الوزارات وفي المقابل نجد أن المحافظ يتمتع بصلاحية الزام الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة أن تشعر المحافظ بالمخاطبات التي تجريها مع دوائرها ومرافقها في نطاق المحافظة للإطلاع عليها ومراقبة تنفيذها، وكذلك الحال بالنسبة للمرافق العامة، كما له صلاحية الزامهم برفع التقارير إليه وإحاطته علماً بالمسائل التي لها مساس بالامن والامور المهمة وسلوك موظفي هذه الدوائر، وهذا من شأنه ان يجعل رقابة المحافظ أكثر فاعلية من رقابة المجلس. 2- إن المشرع حصر مهمة مجالس المحافظات وهي المجالس المحلية المنتخبة بالرقابة على من يدير لها شؤونها المحلية، دون أن تكون قادرة على مباشرة مهام الإدارة الفعلية لكل المرافق والمصالح التي تهم الشعب المحلي في نطاق اختصاصها وحدودها الجغرافية، وهذا الاسلوب في تنظيم العلاقة ما بين مجالس المحافظات والمحافظ لا تتفق مع نظام الإدارة المحلية القائم على أساس خدمة الجماعات المحلية نفسها عن طريق إدارة المرافق المحلية بنفسها، لا أن يقتصر دورها على مراقبة من يديرون لها هذه المرافق، إذ أن في هذا افراغ لمعنى اللامركزية الإدارية ، لأنه يراقب ولايدير كما انه يراقب بدون أدوات ، وفي المقابل نجد أن المحافظ باعتباره الرئيس التنفيذي الاعلى في المحافظة ، يباشر دور فعلي في الإدارة واستحداث المرافق كالجامعات ومراكز الشرطة وإدارة أجهزة الأمن بالرغم من كونه لا يملك صلاحية تشريعية أو عضواً في الهيئة التشريعية المحلية ، وفي مصر فالامر لايختلف عن العراق : حيث نجد ان المجلس الشعبي المحلي للمحافظة لا يختلف عن مجلس المحافظة في العراق إذ يقتصر دوره على الإشراف والرقابة والإقرار والإقتراح، أما مهمة الإنشاء والإدارة فقد أنيطت بالمحافظ ممثل الحكومة المركزية . وعلى نقيض ما موجود في مصر والعراق فالامر يختلف في فرنسا، فالمجلس العام للمديرية (المحافظة) يملك صلاحية إنشاء وتنظيم المرافق العامة للمديرية الالزامية منها والاختيارية، كما له دور في إنشاء وإدارة المرافق الصناعية والتجارية بقرار مشترك مع وزير الداخلية والوزراء المختصين، كما له أن يقرر المشاركة في مؤسسات اقتصادية واجتماعية بنسبة (65 بالمئة) من رأس المال الاصلي للشركة على الأقل إضافة لإدارته أموال المديرية (الدومين العام والخاص)، وبموجب اصلاح عام 1982 فإن المجلس هو صاحب القرار عقب المداولات ويكون دور المدير (المحافظ) هو التنفيذ فقط . 3- إن المحافظ مسؤول عن تنفيذ القرارات التي يتخذها المجلس بما لا يتعارض مع الدستور والقوانين النافذة ، ومع ذلك فإن للمحافظ الاعتراض على قرارات مجلس المحافظة أو المجالس المحلية إذا كانت مخالفة للدستور أو خارج اختصاصاته أو مخالفة للخطة العامة للحكومة الإتحادية أو للموازنة ، وله في سبيل ذلك اللجوء الى المحكمة الإتحادية العليا في حالة عدم استجابة المجلس لاعتراض المحافظ ، وكأن المشرع صير الرقيب مراقباً، وهذا من شأنه أن يرجح الاختصاص التنفيذي للمحافظ على الاختصاص الرقابي لمجلس المحافظة. صلاحيات رقابية 4- تداخل الصلاحيات الرقابية بين مجلس المحافظة والمحافظ، إذ يمارس المحافظ صلاحية الاشراف على سير المرافق العامة وتفتيشها ما عدا المحاكم والوحدات العسكرية والجامعات والكليات والمعاهد، وهذا يقتضي ترجيح الاختصاص الرقابي لمجلس المحافظة في حال تعارض تقييم الاداء لانشطة المرافق العامة بين هاتين الجهتين، لما تقدم ندعو المشرع العراقي الى الانتباه لهذا الخلل في تنظيم الدور الرقابي لمجالس المحافظات بما يتناسب مع الصلاحيات الادارية والمالية والتشريعية التي منحت لها بموجب قانون المحافظات غير المنتظمة باقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل والاستفادة من التجربة الفرنسية بهذا الشأن ، والله الموفق .
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"