بينما كنت اقلّب صفحات ارشيف كتاباتي المبكرة وقعت عيناي على اول مقالة كتبتها في حياتي ، لمجلة صدرت عن متوسطة وثانوية الخنساء للبنات عام 1972 تحديدا بعنوان «مدرستي» وسأقتطع منها بعض الفقرات لأعطي القاريء فكرة عن مدرسة خرجت عشرات الالوف من البنات اللائي رفدن مجتمعهن لاحقا بمختلف التخصصات والمجالات . «يخيل لي وأنا اقف متطلعة الى مدرستي الحبيبة انني عاجزة عن وصف كل مآثرها المقرونة بأسمى السمات ،فبنايتها الكبيرة متكونة من ثلاثة اجنحة ولواجهتها روعة المتاحف وألق الفن من لوحات زيتية من عمل الطالبات الى ديكورات مناسبة ولاسيما مدخل المدرسة فازاء كل جهة من جهتي البوابة تمثال لأسد باللون الذهبي يمثل قوة الضبط والنظام كما تتوسط الاسدين مسلة حمورابي ، بعدها هنالك تمثال لبوابة عشتار البابلية، عدا الحديقة الكبيرة المزدانة بالزهور والتي تحيط بصفوف المدرسة وشعبها». كانت المدرسة مجهزة بالاحتياجات التربوية كلها العلمية والعملية والفنية والرياضية فضلا عن قاعة المدرسة ومسرحها الذي يتسع لاكثر من ثلاثمائة متفرج، والمكتبة الزاخرة بمختلف الكتب العلمية والادبية. وحين تتجه الى المختبر يسترعي انتباهك ما يضمّ من مستلزمات التجارب الكيميائية وغيرها ،والمجسمات والصور اضافة الى السينما العلمية ،اما عن المطبخ فقد جهز بكل ما هو حديث ومفيد.كانت تلك المدرسة تتبنى النشاطات والفعاليات الفنية والثقافية وبمشاركة واسعة مع ذوي الطالبات ،ومن تلك النشاطات الدورات الكشفية ومن حصيلتها فوز بعض الطالبات في المهرجانات الرياضية الوطنية.خرجت «مدرستي الخنساء» عشرات الالاف من الاجيال اللائي انتثرن كما عقود اللؤلؤ في المعاهد والجامعات والمؤسسات ليرفدن مجتمعهن واسرهن والعالم اجمع بكل ما هو نافع وبهي .كانت الكوادر التدريسية على اعلى مستوى فلم نعرف ولم نسمع بشيء اسمه درس خصوصي آنذاك،كنا ننجح بتفوق دون ان يثير ذلك استغراب الاهل.وكانت المدارس من السعة بحيث يصعب قطعها من اولها لاخرها دون ان تنقطع الانفاس.ولأني عاصرت تلك المدارس الحكومية التي لم يكن ذوو الطلبة والتلاميذ مضطرين لدفع الملايين كما اليوم لضمان حصول ابنائهم وبناتهم على تعليم لائق هذا اذا حصلوا عليه فعلا..فانني لا أكاد استسيغ العدد الهائل من المدارس الاهلية التي لا تتجاوز مساحة احداها مساحة بيت صغير يغصّ بالطلبة ويكاد يخنق انفاسهم، ومع ذلك تضمّ المراحل المختلفة ابتداء بالحضانة فالابتدائية بمراحلها الستة ،وأني لأرى ان الامر بحاجة الى وقفة جادة من وزارة التربية وقفة غربلة مسؤولة تفرز و تفرّق بين الصالح والطالح الهزيل وتعمل على اعادة هيكلتها على وفق الاسس التربوية القويمة.
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"