كلام أبيض علينا أن نمتدح الفشل ، فلولاه لما كُتب لنا النجاح ، يحزننا الفشل ، مشاعره قاسية على قلوبنا ، يملأ أنفسنا احباطا ويسلب سعادتنا ، خصوصا عندما نرى ذلك منعكسا في عيون الآخرين ، لكن يجب أن نعرف ان النجاح هش ان لم تسبقه العثرات ، بتلك العثرات يكتسب نظارته ويقوى عوده ، ويغدو عصيا على الانكسار ، العظماء اولئك الذين نظروا للفشل كتجربة من خلالها يُصحح المسار ، وما الانجازات العظيمة التي تحققت في حياة البشرية الا تجارب متكررة ، أفضت في حصيلتها الى ما نحن فيه من نعيم العلم ورغيد العيش . كثيرا ما قسونا على الفشل ، وتسترنا عليه ، وأخفيناه عن الأنظار ، بينما نتباهى بالنجاح ، ونظهره لكل من يصادفنا بمناسبة وبغيرها ، لكننا يندر أن اعترفنا بفشلنا ، وكأنه انتقاص من أشخاصنا ، بينما الفشل الحقيقي ان تظل متأخرا عن الركب ، ولا تكرر المحاولات . النجاح أن تمضي بمحاولاتك دون توقف ، وبلا يأس ، ذلك ان النجاح يقف عند واحدة من تلك المحاولات ، تحقق النجاح مرهون بإيمانك انه حاصل لا محالة ، يقول الكاتب والفيلسوف اللبناني جبران خليل جبران : اينما تحفر تجد كنزا ، ولكن يجب أن تحفر بإيمان الفلاح . لا نتجرأ على الاعتراف بفشلنا الذي به نتحرر من ضغوطاته علينا ، والتخلص من انشغالنا بإخفائه عن الغير ، أكثر الاسئلة التي تشغلنا في مجتمعاتنا القيمية : كيف هي صورتنا في أذهان المحيطين بنا ؟، نريد لصورتنا أن تكون ايجابية على الدوام وان كنا فاشلين ، نهدر من الوقت في محاولات تغيير الصورة أكثر من محاولات اعادة التجربة لتحقيق النجاح الذي بدوره يمحو صورنا السلبية العالقة في الأذهان . الفشل يعني سوء الادارة وغياب التنظيم ، والانجراف مع الأهواء والنزعات والميول ، ولا يمكن للأهداف أن تتحقق اطلاقا الا مع التنظيم ، من تنظيم الأفكار الى ترتيب الأوراق ، والتنظيم جوهر الادارة ، وأولها حسن ادارة الوقت ، تأمل في حجم الوقت المستثمر والوقت المهدور ، وفي ضوء ذلك ترى نفسك في أي موضع على سلم الفشل والنجاح .كتبنا كثيرا عن تجارب نجاحنا ، وملأنا مجلدات في مديحه ، بينما لم نكتب بالقدر نفسه عن فشلنا ، وظل عبارة عن نوادر متناثرة في بطون بعض الكتب ، مع ان الكتابة عن الفشل لا تقل أهمية عن تدوين تجارب النجاح ، لذلك قيل ان الفشل الخطوة الأولى لتحقيق النجاح . ومع ندرتها استلهمنا عربيا العديد من الأمثال التي مدحت الفشل بأكثر العبارات وضوحا . ولعل آخر الذين كتبوا عن الفشل الروائي والمترجم الفرنسي كريستوف كلارو بكتابه الجديد (الفشل) الذي حفزني لكتابة هذا المقال ، والذي وصفته الكاتبة العراقية المقيمة في باريس انعام كجه جي بأنه ( أطروحة لذيذة في امتداح الخسارات وتبيان فضائلها ) في مقالها الممتع الذي نشرته جريدة الشرق الأوسط . يُراد لنا أن نكتب بموضوعية عن تجاربنا الفاشلة ، لكن ما يحول دون ذلك خجلنا من فشلنا ، مثلما يستحي البعض من مرض عقلي او نفسي لأحد أفراد أسرته ، وكأنهما خيار وليس مفروضا عليهم ، فما العيب في ذلك ، خجلنا هو الحالة المرضية الأقسى وليس المرض نفسه .صدقوني ان في الكتابة عن تجاربنا الفاشلة متعة آسرة وجمال أخاذ ، وهذا هو سر انجذابنا لأدب السيرة الذاتية ، لأن في دواخلنا رغبة عارمة لمعرفة كيف عاش الآخرون حياتهم ، غالبا ما نجري عمليات مقارنة بين حياتهم وحياتنا ، وتنتهي مطالعتنا بتأثيرات قد تغيّر مسار حياتنا ، فنحن نتشارك معهم في مجالات الاهتمام .ومع عدم امتداحنا لتجاربنا الذاتية الفاشلة ، الا ان المضحك في الأمر ان البعض يطالبنا في امتداح فشله وتصويره على انه نجاح ، بل ويصرون على عدم الالتفات الى الخلف ، وبدل التأمل في الأسباب ، يسخفون نجاح الآخرين ، ويهمشون ابداعاتهم ، ويطاردون من لا يصفق لفشلهم ، او من لا يقوم بتلميع هذا الفشل.
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"