الموازنة الاتحادية من الأدوات المهمة لأي حكومة في معظم البلدان ، وتعد من مظاهر السيادة ومن الواجب الوطني والأخلاقي والمهني الحرص على إعدادهاوتنفيذها بالجودة التي تعبر عن الإرادة والجدية في تحقيق الغايات والأهداف ، واعتقد البعض إن زوال الحكم الشمولي سيفتح المجال كاملا لإخراج موازنات تعوض الشعب الحرمان الذي عانوا به وتستخدم موارد وثروات الشعب بالشكل الصحيح ، وهذا لم يشهده البلد للسنوات التي تلت 2005 فالموازنات الاتحادية شهدت ذات الأخطاء سواء ما يتعلق بالتأخير في الإعداد او احتوائها على عجز يتحول إلى فائض فيما بعد واعتماد الاستنساخ لمكوناتها او في ضعف الأهداف الفعلية التي تحققها او في اختفائها لعدد من السنوات والوصف بهذا الخصوص يطول ، وتوقع البعض بان تكون موازنة 2023 تختلف عن سابقاتها لتنسجم مع البرنامج الحكومي الذي احتوى كثيرا من الوعود لجعلها فاتحة الأمل في ابتعادها عن التأخير كل عام كونها الأساس الذي سيتم اعتماده لثلاث سنوات ( 2023 ، 2024 ، 2024 ) ، ولكن بداياتها أشرت العديد من الملاحظات مما أعطىالانطباع بأنها سوف لا تكون بالمستوى الذي يحقق الأمنيات ، وقد بدأت ملامح ذلك تظهر في مراحل تحضيرها التي أشرت عدة محاولات لتسييسها ، ورغم محاولات الحكومة واللجنة المالية في الحفاظ على وحدة الموازنة وجعلها تتوافق مع الاحتياجات والبرنامج الحكومي ، إلا إن بعض الأمور خرجت عن السيطرة عند التصويت على فقراتها التي استمرت لساعات طوال اغلبها كانت في المساء وتمتد حتى الفجر لعدة أيام ، ورغم إن جلسات المناقشة والتصويت لم تنقلها وسائل الإعلام كما هو المفروض إلا إن الجمهور اطلع على الكثير من التفاصيل من خلال التسريبات في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ، وقبل وأثناء تصويت مجلس النواب على فقراتها التي شهدت ( بازار ) في الإضافة والحذفوالتعديل أشار السيد رئيس مجلس الوزراء وأيدتهوزيرة المالية إن بعض التعديلات خرجت عن حدودها لكونها لا تتوافق مع البرنامج الحكومي او فيها جنبهمالية لا تتوفر لها التخصيصات لعدم إمكانيةالإضافة لإجمالي النفقات ( الانفجارية ) التي بلغت 199 تريليون دينار .
واستنادا للصلاحيات التي وردت في الدستور ونظرا لنشر قانون الموازنة الاتحادية في جريدة الوقائع العراقية بعددها 4726 في 26 حزيران 2023 ، قدمترئاسة مجلس الوزراء طعنا لدى المحكمة الاتحادية ضمن المدة المحددة للطعن ، أشارت فيه لقيام مجلس النواب بإدراج وتعديل وإضافة مواد وفقرات في مشروع قانون الموازنة الذي قدمته الحكومة بما يشكل مخالفة دستورية من الناحيتين الشكلية والموضوعية وكذلك مخالفة ما استقر عليه القضاء الدستوري في العراق ، وتضمن الطعن عشرة موضوعات وردت في 12 فقرة من القانون وطالبت الرئاسة بإصدار أمرولائي بإيقاف تنفيذ ما تضمنته تلك المواد لحين حسم الدعوى والحكم بعدم دستورية وإبطال تلك المواد ، وقد أعلنت المحكمة الاتحادية استلامها الطعن وقبولهوإحالته إلى رئاسة مجلس النواب للإجابة عنه خلال المدة القانونية ، والأمور التي تم الطعن بها تعترض على( منح المحافظين صلاحية بيع الأراضي للمواطن بعد تطويرها ، الصيغة المقرة في إدارة شؤون من يحمل درجة مدير عام الذي لا يدير تشكيل بجعل ذلك من صلاحية مجلس الوزراء من دون حاجة لتقديم طلب شخصي ، الصلاحيات التي منحت إلى اللجان الفرعية للتعويض التي لا تزيد قيمتها عن 50 مليون دينار ، استيفاء استقطاعات من الموظفين والمتقاعدينبمعدل واحد لكل ألف دينار لصالح صندوق شهداء وزارة الداخلية ، منح الاستثناء لمجلس النواب في تعيين 150 فرد من الفقرة التي أوجبت إيقافالتعيينات ، استثناء مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية الحكومية من فقرة إيقاف التعيينات ، منح مجالس الجامعات صلاحية التعاقد مع القطاع الخاص بعقد مشاركة في مجال بناء المستشفيات والمختبرات الاستثمارية ، تعديل الفقرة المخصصة بإضافة تخصيصات إضافية لذرعات العمل ، إلزامالحكومة بإنهاء إدارة مؤسسات الدولة بالوكالة بموعد أقصاه نهاية تشرين الثاني القادم ، تخصيص نسبة من المبالغ التي تستوفيها دوائر التنفيذ عن الديونوتوزيعا حوافز على العاملين ، التعديل على التاريخ المعتمد بقرار مجلس الوزراء 315 ) .
ومن المتوقع أن تقوم المحكمة الاتحادية بإصدار الأمرألولائي بإيقاف تنفيذ تلك المواد استنادا للمسوغاتالتفصيلية المقدمة من قبل رئاسة مجلس الوزراء ، وان إصدار الأمر يوقف العمل بكل ما تم الطعن به لحين حسم الموضوع بعد أن يقدم مجلس النواب دفوعاته بهذا الخصوص ، ومن الناحية المنطقية والقانونية فان إخضاع هذه الفقرات للطعن يجب أن لا يعطلتنفيذ الفقرات والمواد الأخرى الواردة في قانون الموازنة الاتحادية 2023 ما لم ترد فيها طعون فيما بعد، ولكن السؤال المهم هل من الممكن أن تقدم جهات أخرى الطعن بمواد وفقرات من القانون ؟ ، والجواب إنذلك ممكنا بموجب الدستور فمن حق الجهات ( وليس الأفراد ) المتضررة او التي تجد مخالفة للدستورالطعن لدى المحكمة الاتحادية بكل بما تضمنته فقراتالموازنة الاتحادية خلال المدة المخصصة للطعن البالغة 30 يوم من تاريخ النشر في الجريدة الرسمية ، وحسب ما يتم تداوله فان هناك نوايا لدى إدارة إقليمكردستان للطعن ببعض المواد والفقرات التي ترى فيها تجاوزات ، وليس من المستبعد إن تطعن جهات أخرى إن كانت تشعر بضرر من تطبيق القانون فمدة الطعن لا تزال سارية ولا نعلم ماذا تخبا الأيام ، وهو ما يبقي جزءا من الموازنة مشلولا ولحين الحسم النهائي والحسم في مثل هذه المواضيع يستغرق أسابيع او شهور كما حصل من قبل ، ولأننا في الشهر السابع من موازنة كان من المفروض أن تصدر في او قبل 1\1 \2023 فانه من غير المعروف متى ستنفذ كامل المواد الواردة في الموازنة وماذا سيتبقى من موادها وفقراتها حتى نهاية العام ، والبعض يسأل هل سينتهي الأمر عند هذا الحد أم انه سيتكرر لمواد وفقرات فيما يلي من الأعوام ، فالتعديلات علىموازنتي 2024 و2025 ممكنة بعد مناقشة المقترحات والتغييرات التي تقدمها المالية والتخطيط بشرطمصادقة مجلس النواب استنادا لنص الفقرة ثانيا من المادة 4 لقانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2019 ، وعند الأخذ بعين الاعتبار إن البرلمان يتكون من كتل وتحالفات لم تحقق ما تريد بسبب الطعن ، فمن الممكن إن تكون هناك مواقف تخالف ما سيقدم كرد فعل على ما تم نقضه من فقرات في موازنة 2023 !! .
* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *