07 Feb
07Feb

بدأنا‭ ‬نحن‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬نحس‭ ‬بغربة‭ ‬شديدة‭! ‬غربة‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬نعرفها‭ ‬وقرأنا‭ ‬عنها‭ ‬بسبب‭ ‬“‭ ‬صراع‭ ‬الأجيال”‭ ‬الحتمية‭ ‬والمنطقية‭ ‬وحتى‭ ‬الضرورية‭. ‬أعيش‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬منذ‭ ‬أربعين‭ ‬عاماً‭ ‬تقريباً‭ ‬واعتقد‭ ‬جازماً‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬اختلافاته‭ ‬بين‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬الشرقية‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية‭ ‬كان‭ ‬عاملاً‭ ‬حاسماً‭ ‬في‭ ‬تقدم‭ ‬الغرب‭ ‬علينا‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬حيثيات‭ ‬وأدوار،‭ ‬سآتي‭ ‬على‭ ‬الإشارة‭ ‬إليها‭.‬
ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬أجدني‭ ‬ما‭ ‬أزال‭ ‬أحمل‭ ‬روح‭ ‬الكفاح‭ ‬بين‭ ‬هو‭ ‬صائب‭ ‬وبين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬خائب‭!‬
روح‭ ‬الكفاح‭ ‬هذه‭ ‬لا‭ ‬أقبلها‭ ‬بأنها‭ ‬تعصب‭ ‬لماض‭ ‬أحمق‭ ‬أو‭ ‬غبي‭ ‬أو‭ ‬متخلف‭ ‬أو‭ ‬خنوع،‭ ‬مثلما‭ ‬لا‭ ‬أندفع‭ ‬إلى‭ ‬تنكر‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬بحجة‭ ‬“حداثة”‭ ‬ساذجة‭ ‬أو‭ ‬خادعة‭ ‬أو‭ ‬سطحية‭.‬
فالحداثة‭ ‬بمفهوم‭ ‬تحرر‭ ‬الإنسان‭ ‬مما‭ ‬يعيقه‭ ‬من‭ ‬عوامل‭ ‬عدم‭ ‬تمتعه‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والعدالة‭ ‬واطلاق‭ ‬طاقاته‭ ‬وبالتالي‭ ‬تقدمه‭ ‬الذي‭ ‬يضفي‭ ‬عليه‭ ‬مزيداً‭ ‬من‭ ‬الامن‭ ‬والسلام‭ ‬والطمأنينة‭ ‬والرفاهية‭.‬
إن‭ ‬ما‭ ‬نعيشه‭ ‬من‭ ‬عقود‭ ‬وقرون‭ ‬من‭ ‬تخلف‭ ‬متراكم‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬والعقل‭ ‬والضمير‭ ‬والوجدان‭ ‬شكل‭ ‬الأرضية‭ ‬التي‭ ‬نبني‭ ‬عليها‭ ‬أكواخنا‭ ‬المهترئة،‭ ‬والذي‭ ‬ساعد‭ ‬الآخرين‭ ‬الطامعين‭ ‬على‭ ‬استغلالها‭ ‬لمصالحهم‭ ‬ووفق‭ ‬استراتيجيات‭ ‬إدامة‭ ‬هذا‭ ‬الاستغلال‭ ‬مستعينين‭ ‬بعمق‭ ‬فجوة‭ ‬الاختلاف‭ ‬بيننا‭ ‬وبينهم،‭ ‬أي‭ ‬بين‭ ‬تقدمهم‭ ‬وتخلفنا‭.‬
وهكذا‭ ‬انسقنا‭ ‬كالقطعان‭ ‬وراء‭ ‬ملذاتنا‭ ‬الجسدية‭ ‬مقلدين‭ ‬الظاهر‭ ‬من‭ ‬سلوكيات‭ ‬الآخرين‭ ‬المتقدمين‭ ‬علينا،‭ ‬وغاضين‭ ‬البصر‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬يجهدون‭ ‬به‭ ‬أنفسهم‭ ‬من‭ ‬تعلم‭ ‬وتدرب‭ ‬وعمل‭ ‬وإنجاز‭ ‬وتفوق‭.‬
جهلنا‭ ‬أو‭ ‬تجاهلنا‭ ‬ما‭ ‬أنتجوه‭ ‬من‭ ‬معرفة‭ ‬وابتكار‭ ‬وابداع‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة‭ ‬مما‭ ‬أعانهم‭ ‬على‭ ‬تقدمهم‭ ‬وهيمنتهم‭ ‬علينا‭. ‬حتى‭ ‬ما‭ ‬يشغلنا‭ ‬نحن‭ ‬ويأخذ‭ ‬منا‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬من‭ ‬علوم‭ ‬واهتمامات‭ ‬تعاملوا‭ ‬معها‭ ‬بشكل‭ ‬آخر‭ ‬مختلف،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الجوانب‭ ‬الروحية‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬عندنا‭ ‬خنادق‭ ‬تناحر‭ ‬وتدمير،‭ ‬ولم‭ ‬نتعظ‭ ‬مما‭ ‬وقعوا‭ ‬فيه‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬قديم‭ ‬الزمان‭.‬
إن‭ ‬ما‭ ‬يشغلنا‭ ‬اليوم‭ ‬ويأخذ‭ ‬وقتاً‭ ‬عزيزاً‭ ‬منا‭ ‬يقدر‭ ‬بمليارات‭ ‬مليارات‭ ‬الساعات‭ ‬والأيام‭ ‬التي‭ ‬نحن‭ ‬بأمس‭ ‬الحاجة‭ ‬اليها‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬واقعنا‭ ‬المتخلف،‭ ‬نقضيها‭ ‬في‭ ‬ضحك‭ ‬ساذج‭ ‬ولهو‭ ‬باذخ‭ ‬وتدمير‭ ‬للحاضر‭ ‬واضاعة‭ ‬للمستقبل‭.‬


الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة