- آرائكم
- ملذات الجسد ومسكرات الروح
بدأنا نحن كبار السن نحس بغربة شديدة! غربة ليست هي تلك التي نعرفها وقرأنا عنها بسبب “ صراع الأجيال” الحتمية والمنطقية وحتى الضرورية. أعيش في الغرب منذ أربعين عاماً تقريباً واعتقد جازماً أن هذا الصراع في اختلافاته بين مجتمعاتنا الشرقية عنه في المجتمعات الغربية كان عاملاً حاسماً في تقدم الغرب علينا بكل ما يحمله من حيثيات وأدوار، سآتي على الإشارة إليها.
ورغم ذلك أجدني ما أزال أحمل روح الكفاح بين هو صائب وبين ما هو خائب!
روح الكفاح هذه لا أقبلها بأنها تعصب لماض أحمق أو غبي أو متخلف أو خنوع، مثلما لا أندفع إلى تنكر لكل ما هو من الماضي بحجة “حداثة” ساذجة أو خادعة أو سطحية.
فالحداثة بمفهوم تحرر الإنسان مما يعيقه من عوامل عدم تمتعه بحقوق الإنسان والعدالة واطلاق طاقاته وبالتالي تقدمه الذي يضفي عليه مزيداً من الامن والسلام والطمأنينة والرفاهية.
إن ما نعيشه من عقود وقرون من تخلف متراكم في الفكر والعقل والضمير والوجدان شكل الأرضية التي نبني عليها أكواخنا المهترئة، والذي ساعد الآخرين الطامعين على استغلالها لمصالحهم ووفق استراتيجيات إدامة هذا الاستغلال مستعينين بعمق فجوة الاختلاف بيننا وبينهم، أي بين تقدمهم وتخلفنا.
وهكذا انسقنا كالقطعان وراء ملذاتنا الجسدية مقلدين الظاهر من سلوكيات الآخرين المتقدمين علينا، وغاضين البصر عن ما يجهدون به أنفسهم من تعلم وتدرب وعمل وإنجاز وتفوق.
جهلنا أو تجاهلنا ما أنتجوه من معرفة وابتكار وابداع في جميع مجالات الحياة مما أعانهم على تقدمهم وهيمنتهم علينا. حتى ما يشغلنا نحن ويأخذ منا كثيراً من الوقت من علوم واهتمامات تعاملوا معها بشكل آخر مختلف، حتى في الجوانب الروحية التي شكلت عندنا خنادق تناحر وتدمير، ولم نتعظ مما وقعوا فيه ونحن في قديم الزمان.
إن ما يشغلنا اليوم ويأخذ وقتاً عزيزاً منا يقدر بمليارات مليارات الساعات والأيام التي نحن بأمس الحاجة اليها في اطار واقعنا المتخلف، نقضيها في ضحك ساذج ولهو باذخ وتدمير للحاضر واضاعة للمستقبل.
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"