واحد من أمثالنا “الفاكسة” يقول “منهوب النص مامنهوب”. لا أريد الإستغراق في قصة هذا المثل الذي يبرر نصف السرقة على الأقل. إذ طالما سرقوا من جيبك 50 الف دينار بينما أنت “شايل” 100 الف دينار فأنت طبقا لحيثيات هذا المثل غير مسروق. طيب كيف غير مسروق؟ هل الـ 50 الف التي صارت من حصة السارق حلال مثلا؟ أم أضيفت الى قائمة الأمانات الضريبية؟ أم هي جزء من إشكالية الكمارك والمنافذ الحدودية؟ يبقى التبرير غريبا ومتساهلا مع السارق الذي خرج مثل الشعرة من عجين السرقة. تسوية لا مثيل لها حتى في إتفاقيات أوسلو ووادي عربة. لا السارق يعتبر سارق ولا أنت تعتبر مسروق. كان على اللص الظريف طبقا لمطلق هذا المثل أن يسرق كامل المبلغ. يعني يصير سبع وسبنبع مثل نور بحيث لهف ومن معه كل مبلغ الأمانات الضريبية. ففي حال سرقت كل الـ 100 الف دينار التي تحملها في جيبك فإنك مسروق ومن لهفها سارق. بدون ذلك لا أنت مسروق ولا هو لص محترف.
مع ذلك, أكرر مع ذلك, بتنا اليوم بحاجة الى إستدعاء هذا المثل وتوظيفه من جديد من باب الزيادة في “قشمرتنا” على صعيد الفساد المالي الذي إستشرى كما يقول المحللون السياسيون والإقتصاديون والرياضيون والفلكيون والبيولوجيون والإنثربولوجيون والسمكريون والتنكجيون والباججيون والكببجيون والمحلبيون والكنافيون والزلابييون والبقلاويون في كل شيء, في مفاصل الدولة وغير الدولة. وطبقا لهؤلاء جميعا يضاف لهم طلال أبو غزالة وحورية فرغلي فإنه إذا كان الفساد المالي إستشرى في مفاصل الدولة والتجسيد الأكبر هو “سرقة القرن” التي لاتزال ساطعة ناطعة بين نورها وضياءها, فإن هذا الفساد إستشرى في بقية المفاصل أيضا كما يقول معلم أبو علي الشيباني الذي طالما تنبأ إنه بعد الخامس عشر من الشهر, أي شهر منذ ولادة الجنرال ديغول الى اليوم سوف يحصل التغيير. ولأن كل مفصل من هذه المفاصل كما يقول طبيب المفاصل والغدد اللمفاوية يحتاج رسالة ماجستير من سوق مريدي أو من جامعة لبنانية فإنه يمكن الإكتفاء بإشارة واحدة تتعلق بالكباب فقط. لماذا الكباب؟ الجواب لايحتاج الى جدل كبابي بقدر مايحتاج الى تذكير فقط بعدد المرات التي مسكت الأجهزة المختصة مطعما يبيع لحوم الحمير؟ الجواب كلكم تعرفونه, بل أن بعضنا يستذكر حين يذكر إسم المطعم الممسكوك كم مرة تناول فخ حمار أو باجة جحش مع البمبار؟
لست أريد الإنتقال الى الكلام الطويل العريض عن أنواع المستويات الهابط منها والأقل هبوطا. فهذه القضية هي الأخرى طالها الفساد المالي بل وحتى الإداري ولايوجد حل لها لأن حلول الأرض إنتهت ولم تأت ولن تأتي حلول السماء لأن الله سبحانه وتعالى يقول” إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”. بالعودة الى قصة المثل “منهوب النص مامنهوب” فإن من يتابع يوميا ماتقوم به هيئة النزاهة من إصدار مذكرات قبض وإستقدام بحق مسؤولين في مختلف الوزارات والمحافظات يصل الى قناعة أن السرقة عندنا باتت هي القاعدة وما عداها إستثناء.فانت لاتستطيع أن تفهم كيف يمكن لمسؤول محافظ, او رئيس مجلس محافظة أو مدير عام أو خاص لاتصدر بحقه مذكرة واحدة ولا إثنتان ولا ثلاثة ولا أربعة بل عشرات المذكرات بين قبض وإستقدام. كيف يمكن أن نتخيل مسؤولا يفترض أن يكون مؤتمنا على المال العام الذي يطلق من ميزانية يدور حول فقراتها القتال من أجل كذا وكيت وإذا بها تذهب “شلع قلع” الى مسؤولين لا يكتفون بالنهب مرة ومرتين وثلاثة بل أحيانا عشرات المرات ولا يشبعون. صحيح أن هؤلاء جميعا ليسوا بمستوى ذكاء من سرق القرن لكنهم في النهاية أذكياء. أما سارق القرن فقد بحوش في القانون العراقي فوجد التالي .. الذي يسرق باكيت كلينكس يسجن سبع سنوات. أما سرقة بحجم القرن فطبقا للقانون مشمولة بالكفالة.
المثل لازم يكون “سارق القرن مو .. مقرون”.
* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *