25 May
25May

في عام 1976 كنت وقتها طالباً بالسنة الثانية بكلية الهندسة (جامعة عين شمس) في القاهرة ، حضرت محاضرة للمرحوم محمد حسنين هيكل في مبنى الاتحاد الاشتراكي بمناسبة يوم الأرض ،، وعنوان المحاضرة (الوطن العربي إلى أين؟)، وكان من بين الحضور قادة التيار الناصري في تلك الفترة ( كمال الدين رفعت ، والمفكر القومي العربي عصمت سيف الدولة ، والدكتور حَمدين صبّاحي)، وقتها وللمرة الأولى في حياتي أسمع فيها عن وثيقة Henry Campbell -Bannerman التي تحدّث عنها هيكل ولا تعترف بريطانيا بها.
ما قاله هيكل أن الكثيرين في عالمنا العربي من السياسيين والزعماء والملوك لم يسمعوا أو يقرأوا شيئاً عن وثيقة ( Campbell -Bannerman)! حيث أشار هيكل ان هنالك مجموعة من الوثائق البريطانية محفوظة في مكتب الأرشيف الوطني Public Record Office PRO) ولا يسمح للباحثين بالبحث عنها بحجة عدم وجودها.
عودة إلى اوراق المحاضرة التي وزعت علينا آنذاك، وما زلت أحتفظ بها في أرشيفي الخاص واقتبس بعضًا مما جاء فيها.
في عام 1905 قام حزب المحافظين البريطاني بدعوة الدول الاستعمارية ( فرنسا، وهولندا، وبلجيكا، وإسبانيا، والبرتغال ، وإيطاليا ) لعقد مؤتمر يتم من خلاله وضع سياسة لهذه الدول الاستعمارية تجاه دول العالم أجمع ،،، لإيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية في جميع مناطق العالم بما فيها الوطن العربي إلى أطول أمد ممكن ،، وتشكيل جبهة استعمارية لمواجهة التوسع الألماني ،، ولتحقيق بعضٍ من الأهداف التوسعية في آسيا وأفريقيا ،، والعمل على عرقلة النهضة العربية وزعزعة استقرار المنطقة.
حضر المؤتمر كبار علماء التاريخ والاجتماع والاقتصاد والزراعة والجغرافيا والثروات الطبيعية في تلك الدول.
استعرض المؤتمرون الأخطار الممكنة للمستعمرات المنتشرة في كل من الهند والشرق الأقصى وأفريقيا والمحيط الأطلسي والمحيط الهادي ، حيث استبعدوا قيام أية أخطار في تلك المناطق لأسباب كثيرة منها انشغالهم بالمشاكل الدينية والعنصرية والطائفية ،،،، وركز المؤتمر في النهاية على ان الخطر الحقيقي على الدول الاستعمارية يكمن في الوطن العربي ، لا سيما أن تلك الشعوب أظهرت يقظة سياسية مبكرة ووعياً قومياً لا يستهان به جراء الهجرة اليهودية الى أرض فلسطين.
كان من أطول المؤتمرات في العالم ، واستمر انعقاده لمدة سنتين حتى عام ١٩٠٧ وانبثقت عنه وثيقة سرية من أخطر الوثائق التاريخية ! وسُميت بأسم رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ( Henry Campbell -Bannerman ).
الوثيقة ذهبت إلى أن خطورة الشعب العربي تأتي من عوامل عدة يملكها وهي وحدة التاريخ واللغة والدين والثقافة والهدف وتزايد السكان ،،،، الأمر الذي يتطلب العمل على استمرار وضع المنطقة العربية متأخراً ومفككاً ومجزئاً ، وان يتم انشاء ( دويلات مصطنعة ) لها دور وظيفي تابعة للغرب و خاضعة لسيطرته ،،،، وأكدت الوثيقة أن إقامة وطن قومي لليهود ستكون بمثابة حاجز بشري قوي يفصل الجزء الأفريقي من المنطقة العربية عن جزئها الآسيوي اقتصاديا وسياسياً وثقافياً.
النتيجة التي توصل إليها المؤتمرون ان البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى قارة آسيا وأفريقيا ، وملتقى طرق العالم ،،،، والمشكلة برأيهم أن هذا الشريان يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللغة.
من أبرز توصيات المؤتمرين ؛ تقسيم دول العالم إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى : دول الحضارة الغربية المسيحية ( أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا ).
والفئة الثانية : دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ، ولا تُشكل تهديداً مثل ( دول أمريكا الجنوبية ، واليابان ، وكوريا وغيرها ) والواجب دعمها واحتوائها.
الفئة الثالثة : دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديداً، وهي المنطقة العربية الإسلامية ! والواجب هو حرمانها من اكتساب العلوم والمعارف التقنية ،، ومحاربة أي اتجاه لوحدة تلك الدول فيما بينها.
العالم واجه قوانين جائرة غير معلنة بعد وثيقة Campbell -Bannerman ( كقانون التفوق وقانون المصلحة، وقانون السيطرة)، والاستراتيجية الغربية بشكل عام كانت ولا تزال تحارب ولا تسمح للعرب بالنهضة او الوحدة او امتلاك القوة، فامريكا ومعها الغرب يعتبرون الوطن العربي أرض تجري عليه اتفاقيات لتوزيع الغنائم تطبيقاً لوثيقة كامبل، ولا يقبلون بشكل من الأشكال هزيمة المشروع الصهيوني.
ما نعيشه حالياً بالتأكيد هو ثمار مؤتمر كامبل والوثيقة الصادرة عنه، وهو عقد بين الصهيونية العالمية والغرب، وعنوان هذا العقد هو (تعطيل نهضة الأمة العربية والسيطرة على مواردها وجعلها في حالة اللاتوازن ).
حيث لم تكن دعوة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين تحقيقاً لنبوءة توراتية كما يزعم اليهود بل كان يجري التمهيد لها منذ أكثر من 150 عاما، وحتى نعي ما الذي يحدث اليوم في عالمنا العربي لنصل إلى هكذا مرحلة يجب علينا أن نعرف أن بريطانيا خَلقت بمؤتمرها عام 1905 شكلاً للمنطقة رسمته بعمق (أمة عربية مقسمة ومترهلة بقيادات وزعامات ترعى مصالح الغرب والصهيونية وتحرص على اقامة علاقات معها، وصولاً إلى صفقة القرن قبل خمسة سنوات لتَستكمل إقامة المشروع الصهيوني الكبير).
أخيراً، إن وثيقة كامبل التي لا يعترف أحداً بصحتها تنضمُّ إلى وعد نابليون عام 1787، وإلى بروتوكولات حكماء صهيون التي ترفضها المؤسسات الغربية واليهودية ولا تعترف بها.


* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *
 

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة