07 Aug
07Aug

ليست‭ ‬لدي‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التنبؤ‭ ‬بما‭ ‬سيحدث‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لاحق‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬كما‭ ‬تفعل‭ ‬بعض‭ ‬السيدات‭ ‬الموهوبات،‭ ‬ولا‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬النجوم،‭ ‬كما‭ ‬يعمد‭ ‬بعض‭ ‬الرجال‭ ‬الماهرين،‭ ‬ولست‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬الحكمة‭ ‬أن‭ ‬أسبر‭ ‬غور‭ ‬هذا‭ (‬العلم‭) ‬الغامض‭ ‬المبهر،‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬من‭ ‬أمري‭ ‬إلا‭ ‬السلامة‭!.‬
‭ ‬ومع‭ ‬معرفتي‭ ‬أن‭ ‬الغيب‭ ‬شأن‭ ‬من‭ ‬شؤون‭ ‬الخالق،‭ ‬لا‭ ‬قبل‭ ‬للمخلوق‭ ‬به‭ ‬إلا‭ ‬بحدود‭ ‬ما‭ ‬يمنحه‭ ‬إياه،‭ ‬لكنني‭ ‬أدرك‭ ‬أن‭ ‬الكثيرين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬يقطعون‭ ‬بصحة‭ ‬ما‭ ‬يسمعونه،‭ ‬ويؤمنون‭ ‬بما‭ ‬يتناهى‭ ‬إليهم‭ ‬منه،‭ ‬ويضربون‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الأمثلة‭ ‬تلو‭ ‬الأمثلة،‭ ‬والقصص‭ ‬إثر‭ ‬القصص،‭ ‬فبمجرد‭ ‬وضع‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬–‭ ‬أي‭ ‬النبوءة‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المؤمن،‭ ‬سيقع‭ ‬تحت‭ ‬طائلة‭ ‬الرعب،‭ ‬ويوقن‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬ممكنة‭ ‬الحدوث،‭ ‬وأن‭ ‬بعضها‭ ‬تحقق‭ ‬كله،‭ ‬أو‭ ‬بعضه‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬من‭ ‬الأزمان‭.‬
ولو‭ ‬كان‭ ‬لدي‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الملكة‭ ‬لما‭ ‬ترددت‭ ‬في‭ ‬تسمية‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحوادث‭ ‬التي‭ ‬أحلم‭ ‬أن‭ ‬تقع‭ ‬بالفعل،‭ ‬وأعلم‭ ‬أن‭ ‬وقوعها‭ ‬ستكون‭ ‬له‭ ‬مردودات‭ ‬إيجابية،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تحدث‭ ‬فذلك‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬ذنب‭ ‬لي‭ ‬فيه‭.‬
هذا‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬معظم‭ ‬العرافين‭ ‬والعرافات‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬
‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬تحققت‭ ‬بالفعل‭ ‬فسأصبح‭ ‬رقماً‭ ‬صعباً،‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والقنوات‭ ‬الفضائية،‭ ‬والمواقع‭ ‬العنكبوتية،‭ ‬وما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬الصحف‭ ‬الورقية‭ ‬أيضاً،‭ ‬وسيشيد‭ ‬الجميع‭ ‬بما‭ ‬أضفت‭ ‬من‭ (‬علوم‭)‬،‭ ‬وما‭ ‬بثثت‭ ‬من‭ ‬أخبار‭! .‬
وبالطبع‭ ‬فإن‭ ‬التبشير‭ ‬ببعض‭ ‬الحوادث‭ ‬النافعة،‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يثير‭ ‬اهتمام‭ ‬العامة،‭ ‬ولا‭ ‬يلفت‭ ‬انتباههم،‭ ‬وأبرز‭ ‬مثل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬شركات‭ ‬كبرى،‭ ‬ومؤسسات‭ ‬عملاقة،‭ ‬ومشاريع‭ ‬عمرانية‭ ‬ضخمة،‭ ‬وجامعات‭ ‬رصينة،‭ ‬وبنى‭ ‬تحتية‭ ‬تقوم‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬لم‭ ‬يتنبأ‭ ‬بها‭ ‬أحد،‭ ‬ولم‭ ‬يراهن‭ ‬عليها‭ ‬مراهن،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تثير‭ ‬المواجع،‭ ‬ولا‭ ‬تسترعي‭ ‬النظر،‭ ‬ويعدها‭ ‬الجميع‭ ‬نتائج‭ ‬طبيعية‭ ‬لحياة‭ ‬بشرية‭ ‬صاخبة‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭.‬
ولا‭ ‬يكلف‭ ‬العرافون‭ ‬أنفسهم‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬هكذا‭ ‬مواضيع‭ ‬خاسرة،‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬وحدها‭ ‬التي‭ ‬تصنع‭ ‬الحضارة،‭ ‬وتحفظ‭ ‬الأعمار،‭ ‬وتجعل‭ ‬الحياة‭ ‬آمنة‭ ‬مطمئنة‭.‬
لكن‭ ‬هؤلاء‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬سمعوا‭ ‬بنبوءة‭ ‬عن‭ ‬زلزال‭ ‬مدمر‭ ‬يطيح‭ ‬بقرى‭ ‬ومدائن،‭ ‬يسوي‭ ‬مبانيها‭ ‬بالأرض،‭ ‬ويجعل‭ ‬منها‭ ‬ركاماً‭ ‬وأتربة،‭ ‬فسيتناقلون‭ ‬الخبر‭ ‬بلهفة،‭ ‬ويؤمنون‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬واقع‭.‬
‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬النبوءة‭ ‬عن‭ ‬زعيم‭ ‬سياسي‭ ‬يطاح‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬شاهق،‭ ‬أو‭ ‬رجل‭ ‬دين‭ ‬بارز‭ ‬يخترمه‭ ‬الأجل،‭ ‬أو‭ ‬فنان‭ ‬سيأتي‭ ‬بمعجزة‭ ‬العصر،‭ ‬فسيشرقون‭ ‬ويغربون،‭ ‬وينثرون‭ ‬ويغربلون‭.‬
ومثل‭ ‬هذه‭ ‬الحوادث‭ ‬شائعة،‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يخلو‭ ‬منها‭ ‬عصر،‭ ‬أو‭ ‬تنجو‭ ‬منها‭ ‬حقبة،‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬والأجنبية‭.‬
أتمنى‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬أحد‭ ‬العرافين‭ ‬على‭ ‬الملأ‭ ‬ويتحدث‭ ‬عما‭ ‬سيحصل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭ ‬خلال‭ ‬ربع‭ ‬القرن‭ ‬القادم،‭ ‬وكيف‭ ‬ستتغير‭ ‬الأوضاع،‭ ‬وتتعزز‭ ‬قيم‭ ‬العدالة،‭ ‬وتتحقق‭ ‬التنمية،‭ ‬وكيف‭ ‬ستكون‭ ‬أحوال‭ ‬العلم‭ ‬والأدب‭ ‬والفن‭ ‬والفلسفة،‭ ‬وهل‭ ‬ستكون‭ ‬قبلة‭ ‬أنظار‭ ‬العالم‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وتتجاوز‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬وانقسام‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬لا‭.  ‬
مهمة‭ ‬العراف‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬لا‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬الطالع،‭ ‬بل‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يحدث،‭ ‬ويتحقق‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة،وعليه‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬الناس،‭ ‬وعقلهم‭ ‬الباطن‭.‬
ولعل‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬اضطلع‭  ‬بهذا‭ ‬المفكر‭ ‬البريطاني‭ ‬برتراند‭ ‬رسل‭ ‬ذات‭ ‬يوم،‭ ‬حينما‭ ‬توقع‭ ‬أن‭ ‬يتمكن‭ ‬الزوجان‭ ‬من‭ ‬تحديد‭ ‬جنس‭ ‬الجنين‭ ‬الذي‭ ‬يريدانه،‭ ‬ولما‭ ‬كان‭ ‬الناس‭ ‬يفضلون‭ ‬الذكور،‭ ‬فسيتناقص‭ ‬عدد‭ ‬الإناث،‭ ‬ويضطر‭ ‬المجتمع‭ ‬حينها‭ ‬إلى‭ ‬القبول‭ ‬بفكرة‭ ‬تعدد‭ ‬الأزواج،‭ ‬وتمحى‭ ‬من‭ ‬الأذهان‭ ‬مسألة‭ ‬تعدد‭ ‬الزوجات،‭ ‬وترتاح‭ ‬منها‭ ‬منظمات‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭!.‬
أما‭ ‬الحروب‭ ‬والنزاعات‭ ‬المسلحة‭ ‬فأمرها‭ ‬متروك‭ ‬لعرافين‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬خاص،‭ ‬يمارسون‭ ‬مهنة‭ ‬التحليل‭ ‬السياسي،‭ ‬على‭ ‬الشاشات‭ ‬الصغيرة،‭ ‬يقدمون‭ ‬العزاء‭ ‬لمن‭ ‬يريد،‭ ‬والفرحة‭ ‬لمن‭ ‬يشاء‭. ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬حال‭ ‬الدنيا‭.‬


الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة