ليست لدي القدرة على التنبؤ بما سيحدث في وقت لاحق من هذا العام، كما تفعل بعض السيدات الموهوبات، ولا النظر في النجوم، كما يعمد بعض الرجال الماهرين، ولست أظن أن من الحكمة أن أسبر غور هذا (العلم) الغامض المبهر، وأنا لا أملك من أمري إلا السلامة!.
ومع معرفتي أن الغيب شأن من شؤون الخالق، لا قبل للمخلوق به إلا بحدود ما يمنحه إياه، لكنني أدرك أن الكثيرين في هذا العالم، يقطعون بصحة ما يسمعونه، ويؤمنون بما يتناهى إليهم منه، ويضربون على ذلك الأمثلة تلو الأمثلة، والقصص إثر القصص، فبمجرد وضع هذه الفكرة – أي النبوءة – في قلب المؤمن، سيقع تحت طائلة الرعب، ويوقن أن مثل هذه الأمور ممكنة الحدوث، وأن بعضها تحقق كله، أو بعضه على الأقل، في زمن من الأزمان.
ولو كان لدي مثل هذه الملكة لما ترددت في تسمية الكثير من الحوادث التي أحلم أن تقع بالفعل، وأعلم أن وقوعها ستكون له مردودات إيجابية، أما إذا لم تحدث فذلك ما لا ذنب لي فيه.
هذا هو حال معظم العرافين والعرافات في العالم.
وإذا ما تحققت بالفعل فسأصبح رقماً صعباً، في وسائل التواصل الاجتماعي، والقنوات الفضائية، والمواقع العنكبوتية، وما تبقى من الصحف الورقية أيضاً، وسيشيد الجميع بما أضفت من (علوم)، وما بثثت من أخبار! .
وبالطبع فإن التبشير ببعض الحوادث النافعة، أمر لا يثير اهتمام العامة، ولا يلفت انتباههم، وأبرز مثل على ذلك أن شركات كبرى، ومؤسسات عملاقة، ومشاريع عمرانية ضخمة، وجامعات رصينة، وبنى تحتية تقوم كل يوم، لم يتنبأ بها أحد، ولم يراهن عليها مراهن، فهي لا تثير المواجع، ولا تسترعي النظر، ويعدها الجميع نتائج طبيعية لحياة بشرية صاخبة في القرن الحادي والعشرين.
ولا يكلف العرافون أنفسهم الحديث عن هكذا مواضيع خاسرة، رغم أنها وحدها التي تصنع الحضارة، وتحفظ الأعمار، وتجعل الحياة آمنة مطمئنة.
لكن هؤلاء إذا ما سمعوا بنبوءة عن زلزال مدمر يطيح بقرى ومدائن، يسوي مبانيها بالأرض، ويجعل منها ركاماً وأتربة، فسيتناقلون الخبر بلهفة، ويؤمنون أنه لا بد واقع.
وإذا ما كانت النبوءة عن زعيم سياسي يطاح به من شاهق، أو رجل دين بارز يخترمه الأجل، أو فنان سيأتي بمعجزة العصر، فسيشرقون ويغربون، وينثرون ويغربلون.
ومثل هذه الحوادث شائعة، لا يكاد يخلو منها عصر، أو تنجو منها حقبة، في البلاد العربية والأجنبية.
أتمنى أن يخرج أحد العرافين على الملأ ويتحدث عما سيحصل في هذه البلاد خلال ربع القرن القادم، وكيف ستتغير الأوضاع، وتتعزز قيم العدالة، وتتحقق التنمية، وكيف ستكون أحوال العلم والأدب والفن والفلسفة، وهل ستكون قبلة أنظار العالم كما كانت من قبل، وتتجاوز ما هي عليه من ضعف وانقسام ، أو لا.
مهمة العراف في رأيي لا تكمن في قراءة الطالع، بل التفكير في ما ينبغي أن يحدث، ويتحقق في السنوات القادمة،وعليه أن يضع كل ذلك في وجدان الناس، وعقلهم الباطن.
ولعل أفضل من اضطلع بهذا المفكر البريطاني برتراند رسل ذات يوم، حينما توقع أن يتمكن الزوجان من تحديد جنس الجنين الذي يريدانه، ولما كان الناس يفضلون الذكور، فسيتناقص عدد الإناث، ويضطر المجتمع حينها إلى القبول بفكرة تعدد الأزواج، وتمحى من الأذهان مسألة تعدد الزوجات، وترتاح منها منظمات حقوق المرأة إلى الأبد!.
أما الحروب والنزاعات المسلحة فأمرها متروك لعرافين من طراز خاص، يمارسون مهنة التحليل السياسي، على الشاشات الصغيرة، يقدمون العزاء لمن يريد، والفرحة لمن يشاء. وهذه هي حال الدنيا.
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"