15 Jul
15Jul

في‭ ‬العصر‭ ‬البابلي‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬مواكب‭ ‬تستعرضُ‭ ‬فرسانها‭ ‬وخيولها‭ ‬وراياتها‭ ‬أمام‭ ‬الناس‭ ‬قبل‭ ‬ذهابها‭ ‬إلى‭ ‬ساحات‭ ‬الوغى؛‭ ‬وكان‭ ‬يُسمَّى‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬فيه‭ ‬الاستعراض‭ ‬بشارع‭ ‬الموكب،‭ ‬لذا‭ ‬ليس‭ ‬غريباً‭ ‬أنْ‭ ‬نرى‭ ‬ظاهرة‭ ‬المواكب‭ ‬تتجدَّد‭ ‬خلال‭ ‬أيام‭ ‬عاشوراء‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬كربلاء‭ ‬وباقي‭ ‬المدن‭ ‬العراقية‭ ‬وحتى‭ ‬أصقاع‭ ‬العالم،‭ ‬والحديث‭ ‬عن‭ ‬المواكب‭ ‬الحُسينية‭ ‬ذو‭ ‬شجون‭ ‬وله‭ ‬وقع‭ ‬خاص‭ ‬في‭ ‬روح‭ ‬كل‭ ‬عراقي‭ ‬يؤمن‭ ‬بقضية‭ ‬الإمام‭ ‬الحسين‭ ‬‮«‬ع‮»‬‭ ‬واستشهاده‭ ‬مع‭ ‬صحبه‭ ‬في‭ ‬العاشر‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬محرَّم‭ ‬الحرام‭ ‬،‭ ‬إذْ‭ ‬يمكن‭ ‬أنْ‭ ‬ترى‭ ‬التحضيرات‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أهالي‭ ‬كربلاء‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬وساق‭ ‬لاستقبال‭ ‬هذه‭ ‬الفجيعة‭ ‬الهاشمية؛‭ ‬وحال‭ ‬استبدال‭ ‬الراية‭ ‬الحمراء‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬الثأر‭ ‬لدم‭ ‬الحسين‭ ‬الطاهر‭ ‬بالراية‭ ‬السوداء‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬قُبتي‭ ‬الذهب‭ ‬الحُسينيَّة‭ ‬والعباسيَّة‭ ‬حتى‭ ‬تجد‭ ‬الناس‭ ‬قد‭ ‬استبدلتْ‭ ‬ملابسها‭ ‬الملونة‭ ‬بالثياب‭ ‬السُود‭ ‬وأطلقتْ‭ ‬لُحاها‭ ‬وتغيرَّت‭ ‬ملامح‭ ‬وجوههم‭ ‬إلى‭ ‬الحزن‭ ‬الشديد‭ ‬والغضب‭ ‬العارم،‭ ‬وترى‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬من‭ ‬أطراف‭ ‬المدينة‭ ‬قد‭ ‬شُيدَّت‭ ‬‮«‬التَكْيات‮»‬‭ ‬والمؤلفة‭ ‬من‭ ‬رفوف‭ ‬مكسوَّة‭ ‬بقماش‭ ‬أخضر‭ ‬أو‭ ‬أسَوْد‭ ‬تُوضع‭ ‬عليها‭ ‬مزهريات‭ ‬من‭ ‬السيراميك‭ ‬والكريستال‭ ‬المتوًّجة‭ ‬بالورود‭ ‬الملوًّنة‭ ‬والشموع‭ ‬وتضيئها‭ ‬مصابيح‭ ‬حمراء‭ ‬دلالة‭ ‬إلى‭ ‬الدماء‭ ‬البريئة‭ ‬التي‭ ‬سفكت‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬كربلاء،‭ ‬كما‭ ‬تُعلَّق‭ ‬على‭ ‬جدرانها‭ ‬المغطاة‭ ‬بقماش‭ ‬أسود‭ ‬السيوف‭ ‬والدروع‭ ‬ولامَة‭ ‬الحرب،‭ ‬وهناك‭ ‬بعض‭ ‬‮«‬التكيات‮»‬‭ ‬تضيئها‭ ‬المصابيح‭ ‬الخضر‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬نسب‭ ‬العترة‭ ‬الهاشمية‭ ‬المباركة‭ ‬وأهل‭ ‬البيت‭ ‬عليهم‭ ‬السلام‭. ‬بعد‭ ‬غروب‭ ‬الشمس‭ ‬وإكمال‭ ‬الصلاة‭ ‬تبدأ‭ ‬المواكب‭ ‬بالزحف‭ ‬نحو‭ ‬المرقدين‭ ‬الشريفين‭ ‬تتقدمها‭ ‬الهوادج‭ ‬المزدانة‭ ‬بالمصابيح‭ ‬الملوَّنة‭ ‬وتتبعها‭ ‬حشود‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬حلقات‭ ‬وهم‭ ‬يهتفون‭ ‬بقصائد‭ ‬قصار‭ ‬‮«‬ردَّات‮»‬‭ ‬تنبع‭ ‬فكرتها‭ ‬من‭ ‬التضحية‭ ‬والشجاعة‭ ‬والإباء‭ ‬للإمام‭ ‬الحسين‭ ‬‮«‬ع‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬النجف‭ ‬الأشرف‭ ‬تتقدَّم‭ ‬المواكب‭ ‬مشاعل‭ ‬النار،‭ ‬وهذه‭ ‬الهوادج‭ ‬ثقيلة‭ ‬جداً‭ ‬لأنَّها‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬الحديد‭ ‬الصلب‭ ‬ويكون‭ ‬شكلها‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬قارب‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬سفينة‭ ‬النجاة‭ ‬التي‭ ‬ورد‭ ‬ذكرها‭ ‬في‭ ‬قول‭ ‬للرسول‭ ‬الكريم‭: ‬‮«‬إنَّ‭ ‬الحسين‭ ‬مصباح‭ ‬هدى‭ ‬وسفينة‭ ‬نجاة‭ ‬و‭ ‬إمام‭ ‬خير‭ ‬و‭ ‬يُمن‭ ‬و‭ ‬عز‭ ‬و‭ ‬فخر‭ ‬و‭ ‬بحر‭ ‬علم‭ ‬و‭ ‬ذخر‮»‬،‭ ‬ويحمل‭ ‬الهودج‭ ‬رجل‭ ‬واحد‭ ‬يتمتع‭ ‬بقوة‭ ‬نادرة‭ ‬وقلب‭ ‬لا‭ ‬يلين‭ ‬وشكيمة‭ ‬لا‭ ‬تهتز‭ ‬،‭ ‬وحين‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬باب‭ ‬قبلة‭ ‬مرقد‭ ‬الحسين‭ ‬‮«‬ع‮»‬‭ ‬يدور‭ ‬بالهودج‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬عشر‭ ‬دورات‭ ‬وربما‭ ‬أكثر‭ ‬بمشهد‭ ‬مثير‭ ‬تخشع‭ ‬لروعته‭ ‬القلوب‭ ‬وتتعالى‭ ‬الصلوات‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الناس‭ ‬وهم‭ ‬يراقبون‭ ‬بدهشة‭ ‬الهودج‭ ‬وكأنه‭ ‬يطير‭ ‬في‭ ‬السماء‭. ‬أكبر‭ ‬الهوادج‭ ‬وأثقلها‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬يتقدَّم‭ ‬موكب‭ ‬عزاء‭ ‬العباسية‭ ‬والذي‭ ‬تكون‭ ‬بداية‭ ‬حشوده‭ ‬الغفيرة‭ ‬عند‭ ‬باب‭ ‬القبلة‭ ‬لمرقد‭ ‬العباس»ع‮»‬‭ ‬ونهايته‭ ‬عند‭ ‬مبنى‭ ‬البلدية؛‭ ‬ولموكب‭ ‬العباسية‭ ‬معزًّة‭ ‬عميقة‭ ‬وأثر‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬الناس‭ ‬وخاصة‭ ‬إبَّانَ‭ ‬بطش‭ ‬وقمع‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬للشعائر‭ ‬الدينية،‭ ‬فهو‭ ‬الموكب‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يهتف‭ ‬بشعارات‭ ‬صريحة‭ ‬وشجاعة،‭ ‬وأنَّ‭ ‬معظم‭ ‬الذين‭ ‬ينخرطون‭ ‬بهذا‭ ‬الموكب‭ ‬يضعونَ‭ ‬اليشاميغ‭ ‬الحمر‭ ‬على‭ ‬رؤوسهم‭ ‬أو‭ ‬حول‭ ‬أعناقهم‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬انتمائهم‭ ‬للحزب‭ ‬الشيوعي،‭ ‬وكانت‭ ‬الشعارات‭ ‬التي‭ ‬يردّدونها‭ ‬مصدر‭ ‬قلق‭ ‬للقوات‭ ‬الأمنية‭ ‬والحكومة‭ ‬ومازالت؛‭ ‬بينما‭ ‬الناس‭ ‬كانت‭ ‬تترقب‭ ‬ظهور‭ ‬موكب‭ ‬العباسية‭ ‬على‭ ‬أحرّ‭ ‬من‭ ‬الجمر،‭ ‬أمَّا‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يكتب‭ ‬شعارات‭ ‬هذا‭ ‬الموكب؛‭ ‬فقد‭ ‬أعدمهُ‭ ‬الطاغية‭ ‬في‭ ‬الثمانينات؛‭ ‬وهو‭ ‬شاعر‭ ‬من‭ ‬عائلة‭ ‬كادحة،‭ ‬متعدد‭ ‬المواهب‭ ‬ويمتلك‭ ‬ثقافة‭ ‬موسوعية‭ ‬ويُدعى‭ ‬عبد‭ ‬الزهرة‭ ‬الشرطي،‭ ‬أجبرهُ‭ ‬عوزه‭ ‬المادي‭ ‬إلى‭ ‬ترك‭ ‬الدراسة‭ ‬والالتحاق‭ ‬بالشرطة‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬جاء‭ ‬لقبه‭ ‬بالشرطي،‭ ‬ومن‭ ‬أصدقائه‭ ‬المقربين‭ ‬الفنان‭ ‬المعروف‭ ‬سلمان‭ ‬عبد‭ ‬رسام‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬الذي‭ ‬رحلنا‭ ‬إلى‭ ‬سماوات‭ ‬رحيمة‭ ‬قبل‭ ‬شهور‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يحتفظ‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الذكريات‭ ‬الطريفة‭ ‬والمؤلمة‭ ‬عن‭ ‬شاعر‭ ‬عزاء‭ ‬العباسية؛‭ ‬منها‭ ‬رؤية‭ ‬الناس‭ ‬لعبد‭ ‬الزهرة‭ ‬يحمل‭ ‬بطانية‭ ‬ويسير‭ ‬مع‭ ‬موكب‭ ‬العباسية؛‭ ‬ولما‭ ‬سأله‭ ‬أحدهم‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬حمله‭ ‬البطانية؛‭ ‬أجابهم‭ ‬أنَّ‭ ‬القصائد‭ ‬‮«‬الردَّات‮»‬‭ ‬التي‭ ‬كتبتها‭ ‬قوية‭ ‬جداً‭ ‬وأتوقع‭ ‬اعتقالي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬رجال‭ ‬الأمن‭ ‬بأية‭ ‬لحظة‭ ‬ولذا‭ ‬جئتُ‭ ‬بالبطانية‭ ‬التي‭ ‬أنام‭ ‬عليها‭ ‬بالسجن‭. ‬ومن‭ ‬قصائده‭ ‬التي‭ ‬يذكرها‭ ‬الناس‭ ‬‮«‬‭ ‬كِثرتْ‭ ‬الغربان‭ ‬كِثرتْ‭ ‬صُبَحْ‭ ‬مذبوح‭ ‬الحمام‭ ‬‮«‬‭ ‬وأخرى‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭: ‬‮«‬شعبي‭ ‬كالجمل‭ ‬أكله‭ ‬الصبح‭ ‬عاكول،‭ ‬لكن‭ ‬على‭ ‬الظهر‭ ‬كلْ‭ ‬ذهب‭ ‬محمول،‭ ‬شنهو‭ ‬الذهب‭ ‬مفعوله‭ ‬لو‭ ‬حاير‭ ‬بعاكوله،‭ ‬يحسين‭ ‬الشعب‭ ‬باسمك‭ ‬نضالاته‮»‬‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬موكب‭ ‬عزاء‭ ‬العباسية‭ ‬يشير‭ ‬بقوة‭ ‬إلى‭ ‬الشيوعيين‭ ‬فأنَّ‭ ‬موكب‭ ‬باب‭ ‬الخان‭ ‬كان‭ ‬يمثل‭ ‬الأحزاب‭ ‬الدينية‭ ‬بينما‭ ‬موكب‭ ‬باب‭ ‬السلالمة‭ ‬استحوذ‭ ‬عليه‭ ‬بالقوة‭ ‬رفاق‭ ‬الزيتوني‭ ‬وكانت‭ ‬قصائده‭ ‬تمتدح‭ ‬النظام‭ ‬السابق؛‭ ‬وكان‭ ‬كل‭ ‬موكب‭ ‬يتباهى‭ ‬بخطبائه‭ ‬وشعرائه،‭ ‬لكن‭ ‬البارزين‭ ‬كان‭ ‬المرحوم‭ ‬الرادود‭ ‬حمزة‭ ‬الصغير‭ ‬والخطيب‭ ‬المرحوم‭ ‬عبد‭ ‬الزهرة‭ ‬الكعبي‭ ‬والخطيب‭ ‬المرحوم‭ ‬شيخ‭ ‬هادي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ولده‭ ‬البكر‭ ‬صالح‭ ‬البصير‭ ‬منتميا‭ ‬إلى‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬بمفارقة‭ ‬نادرة‭ ‬سببت‭ ‬حرجاً‭ ‬كبيراً‭ ‬لوالده‭ ‬الشيخ‭ ‬هادي،‭ ‬وفي‭ ‬التسعينيات‭ ‬كنت‭ ‬أصادف‭ ‬في‭ ‬طريقي‭ ‬صالح‭ ‬البصير‭ ‬أثناء‭ ‬نزولي‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬وأكون‭ ‬دليله‭ ‬حتى‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬مبتغاه‭ ‬وكان‭ ‬خلال‭ ‬الطريق‭ ‬يحدثني‭ ‬بعقل‭ ‬راجح‭ ‬عن‭ ‬أفكاره‭ ‬الاشتراكية‭ ‬التي‭ ‬مازال‭ ‬مؤمنا‭ ‬بها،‭ ‬أما‭ ‬الشعراء‭ ‬الذين‭ ‬برزوا‭ ‬وحققوا‭ ‬شهرة‭ ‬واسعة‭ ‬بين‭ ‬المواكب‭ ‬الحسينية‭ ‬فكان‭ ‬المرحوم‭ ‬كاظم‭ ‬منذور‭ ‬الكربلائي‭ ‬يقف‭ ‬في‭ ‬مقدمتهم‭ ‬ثم‭ ‬مهدي‭ ‬الأموي‭ ‬وكاظم‭ ‬الخفاجي‭ ‬والد‭ ‬الشاعر‭ ‬رضا‭ ‬الخفاجي‭ ‬ثم‭ ‬التحق‭ ‬بهم‭ ‬نهاية‭ ‬السبعينيات‭ ‬الشاعر‭ ‬محمد‭ ‬زمان‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يكتب‭ ‬قصائده‭ ‬بالفصحى‭ ‬لموكب‭ ‬باب‭ ‬الطاق،‭ ‬وفي‭ ‬ليلة‭ ‬عاشوراء‭ ‬تصل‭ ‬ذكرى‭ ‬فجيعة‭ ‬الطف‭ ‬إلى‭ ‬ذروتها‭ ‬بعد‭ ‬مشاهد‭ ‬من‭ ‬التشابيه‭ ‬تعرض‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬وتصبح‭ ‬الوجوه‭ ‬قانطة‭ ‬وتسمع‭ ‬نفخ‭ ‬البوق‭ ‬وقرع‭ ‬الطاس‭ ‬وخفق‭ ‬الرايات‭ ‬الحمر‭ ‬أمام‭ ‬المواكب‭ ‬عند‭ ‬الفجر‭ ‬إيذانا‭ ‬ببدء‭ ‬التطبير‭ ‬وهي‭ ‬بدعة‭ ‬جاءت‭ ‬بها‭ ‬المواكب‭ ‬الآذرية‭ ‬إلى‭ ‬كربلاء‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وقد‭ ‬حرمّها‭ ‬معظم‭ ‬مراجع‭ ‬الدين‭ ‬للمذهب‭ ‬الشيعي؛‭ ‬وأقول‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يضربون‭ ‬رؤوسهم‭ ‬بالسيوف،‭ ‬إذا‭ ‬كنتم‭ ‬تعشقون‭ ‬الإمام‭ ‬الحسين‭ ‬‮«‬ع‮»‬‭ ‬حقاً،‭ ‬ضعوا‭ ‬على‭ ‬مرقده‭ ‬المقدس‭ ‬الورد‭ ‬واتركوا‭ ‬ضرب‭ ‬الهامات‭ ‬بالسيوف،‭ ‬وعند‭ ‬صبيحة‭ ‬العاشر‭ ‬يستمع‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬المقتل‭ ‬الذي‭ ‬يقرأه‭ ‬الخطيب‭ ‬عبد‭ ‬الزهرة‭ ‬الكعبي‭ ‬بصوته‭ ‬الشجي‭ ‬والحنون‭ ‬وبعد‭ ‬صلاة‭ ‬الظهر‭ ‬يبدأ‭ ‬عزاء‭ ‬ركضة‭ ‬طويريج‭ ‬الشهير‭ ‬حيث‭ ‬يشترك‭ ‬فيه‭ ‬الملايين‭ ‬وهم‭ ‬يركضون‭ ‬هاتفينَ‭ ‬غضباً‭ ‬وحزناً‭ ‬لإطفاء‭ ‬النار‭ ‬التي‭ ‬اشتعلت‭ ‬بخيام‭ ‬حرم‭ ‬الحسين‭ ‬‮«‬ع»؛‭ ‬بعدها‭ ‬يهيمنُ‭ ‬صمتٌ‭ ‬مهيبٌ‭ ‬حتى‭ ‬تغرب‭ ‬الشمس‭ ‬ويلفُّ‭ ‬مدينة‭ ‬كربلاء‭ ‬الظلام؛‭ ‬لتظهر‭ ‬مواكب‭ ‬السادة‭ ‬يتقدَّمهم‭ ‬حشد‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬يشدون‭ ‬قطعة‭ ‬قماش‭ ‬خضراء‭ ‬على‭ ‬رؤوسهم‭ ‬ويحملون‭ ‬الشموع‭ ‬ويُسمَّى‭ ‬هذا‭ ‬الطقس‭ ‬‮«‬شامي‭ ‬غريبون‮»‬‭ ‬ويعني‭ ‬عشاء‭ ‬الغرباء؛‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬السبايا‭ ‬الذين‭ ‬دخلوا‭ ‬الكوفة‭ ‬يتقدَّمهم‭ ‬زين‭ ‬العابدين‭ ‬‮«‬ع‮»‬‭ ‬مع‭ ‬عمّته‭ ‬الحوراء‭ ‬زينب،‭ ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬على‭ ‬الفجيعة‭ ‬نرى‭ ‬موكب‭ ‬النسوة‭ ‬بوجوههنَّ‭ ‬وراياتهنَّ‭ ‬التي‭ ‬تلطخت‭ ‬بالوحل‭ ‬حزناً‭ ‬على‭ ‬الإمام‭ ‬الشهيد،‭ ‬حيث‭ ‬تذكر‭ ‬الروايات‭ ‬أنَّ‭ ‬نساء‭ ‬قبيلة‭ ‬بني‭ ‬أسد‭ ‬هرعنَّ‭ ‬لدفن‭ ‬الأمام‭ ‬الحسين‭ ‬وأصحابه‭ ‬ويقال‭ ‬إنَّ‭ ‬الإمام‭ ‬زين‭ ‬العابدين‭ ‬عاد‭ ‬من‭ ‬الكوفة‭ ‬إلى‭ ‬كربلاء‭ ‬ليشترك‭ ‬معهنَّ‭ ‬في‭ ‬دفن‭ ‬جثمان‭ ‬الذبيح‭ ‬المقدسة‭. ‬إنَّ‭ ‬مواكب‭ ‬العزاء‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬محرّم‭ ‬تحمل‭ ‬نكهة‭ ‬خاصة‭ ‬برغم‭ ‬المأساة‭ ‬لأنها‭ ‬تُعبّر‭ ‬عن‭ ‬ميثولوجيا‭ ‬عراقية‭ ‬أصيلة‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬إحياء‭ ‬لذكرى‭ ‬معركة‭ ‬الطف‭ ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬ننسى‭ ‬أنَّ‭ ‬قتلة‭ ‬الإمام‭ ‬الحسين‭ ‬‮«‬ع‮»‬‭ ‬مازالوا‭ ‬يتربَّصون‭ ‬بنا‭ ‬وبوطننا‭ ‬الحبيب‭ ‬وهدفهم‭ ‬الخبيث‭ ‬أنْ‭ ‬يجعلوه‭ ‬خراباً‭ ‬في‭ ‬خراب؛‭ ‬ولكن‭ ‬هيهات‭ ‬مادامت‭ ‬أصوات‭ ‬عشَّاق‭ ‬الحسين‭ ‬تصدح‭ ‬كطيور‭ ‬من‭ ‬الجنَّة‭ ‬ومادام‭ ‬دم‭ ‬الحسين‭ ‬يضيء‭ ‬تراب‭ ‬كربلاء‭ ‬إلى‭ ‬يوم‭ ‬الدين‭.‬


الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة