يذكر المرجع الراحل محمد الحسيني الشيرازي في مذكراته (تلك الأيام)، أن الزعيم عبد الكريم قاسم حاول أن يخرج نفسه من المشاكل وتراجع التأييد الشعبي له، فكان يبعث الوفود الى العلماء والوجهاء ليزيل كراهية بعض فئات الشعب ضده، ومن جملة العلماء الذين أرسل قاسم وفده للقائهم المرجع السيد مهدي الشيرازي رحمه الله الذي كان مريضاً في تلك الفترة، فطلب الوفد الذي كان برئاسة عضو مجلس السيادة عبد المجيد كمونه لقاء المرجع، محاولاً معرفة لماذا غير الناس موقفهم تجاه الحكومة؟ماذا جرى لكثير من الشعب حتى تحول موقفهم من الحب الى الكره للدولة؟ كان من جملة الأسباب التي اجابهم بها «أنتم منعتم تنفيذ قانون الناس مسلطون على أموالهم وعلى انفسهم» الذي اعلنه الرسول (ص)، واستبدلتموه بقانون الإصلاح الزراعي، الذي أجاز لكم تقسيم أراضي المُلاك وتوزيعها على الفلاحين، مع ان تلك الأراضي لهم وليس من حقكم اعطاءها للغير، وكان باستطاعتكم إعطاء الأراضي الموات والبائرة للفلاحين وهي كثيرة جدا ليزرعوها، فالمياه متوفرة ولا توجد مشكلة في هذا الجانب.قد نتج عن هذه السياسة الخاطئة تخريب الزراعة في العراق، ولأن هؤلاء الفلاحين لا يستطيعون إدارة المحصول ولا يعرفون قيمة تلك الأراضي، فكانت الحصيلة تركهم الأرض والهجرة نحو المدن، وتسبب ذلك بمشكلة كبيرة أخرى الا وهي أزمة السكن، اصبح العراق يستورد الحنطة والشعير، بعد ان كان يصدرهما، وكل ذلك مع وفرة المياه وخصوبة التربة وملائمة المناخ ووفرة الايدي العاملة، وأجمع علماء الدين سنة وشيعة على بطلان هذا القانون الذي حول الزراعة من مشروع انتاجي ربحي الى مشروع خاسر يستنزف ميزانية الدولة بدعم الفلاحين، وأسس لمفهوم الاقتصاد الريعي بقوة في الدولة العراقية. وليس هذا فقط بل اصبحت المُدن تعاني من الاكتظاظ، ونقص في الخدمات والطرق، وبناء مدن (عشوائية) ليست داخلة ضمن المشاريع التنموية وخارج التخطيط العمراني للمُدن، وليست خاضعة حتى لابسط حقوق الانسان او اشراط الادمية، والمشكلة الاكبر ان اصحاب الريف لم يتمدنوا ولم يستطيعوا التعايش مع واقعهم الجديد، ونقلوا عاداتهم الريفية والقُروية معهم الى المدينة (جلبوا معهم خيلهم وبغالهم والحمير والقطعان الى المدن، اضافة الى عادات الفصل والنهوة والكصة بكصة وغيرها الكثير نايهكم عن الملابس وطريقة بناء البيوت، فقد بنوا زرائب وحضائر الحيوانات «الطوايل» بين البيوت)، فخربوا الواجهة العمرانية والحضارية للبلاد. كريم بجهل او بغيره افرغ الريف من محتواه ومن مادته، وريف المدينة ونقل لها البداوة.
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"