لدينا إشكالية مع النفط منذ بدء تدفقه من الأرض العراقية في العشرية الثانية من القرن العشرين حتى اليوم.
الإشكالية كانت وما زالت وستبقى تقوم على معادلة "النعمة أم النقمة".
اختلفنا كالعادة على هذه المعادلة.
فمنهم من عدَّ النفط نعمة، لكن لم نحسن استغلالها، وهذا في جانب منه صحيح, ومنهم من عدّه نقمة كوننا نملك من الموارد والطاقات والإمكانيات ما يمكن أن يجعلنا نستغني عن هذا النفط أو نخزنه في باطن الأرض، طالما أن "النفط الأسود" يمكن أن ينفع في "الغاز الأبيض" ذات يوم.
الخلاصة إننا لم نحسن إدارة حقبة النفط، الذي تدفق من كركوك عام 1927 ولا يبدو إننا سوف نحسن حقبة ما بعد النفط، التي بدأت الدراسات السياسية والجيولوجية تتحدث عنها بإسهاب.
إذن في كل العهود العراقية من أول العهد الملكي إلى آخر العهود الجمهورية، لم نحسن التعامل مع النفط، إلا بوصفه نعمة طارئة نملأ بها جيوب الفاسدين أولا ونافذة بيع العملة بالبنك المركزي ثانيا والتأمينات الضريبية ثالثا.
الأسباب متعددة أهمها طبيعة الأنظمة السياسية التي لم تحسن ماعدى فترة قصيرة في العهد الملكي "فترة مجلس الإعمار" إدارة العملية الاقتصادية في البلاد.
فمنذ أول عهد جمهوري عام 1958 حتى اليوم لم نعرف إلى أي نظام اقتصادي ننتمي.
هل نحن نظام إشتراكي أم رأسمالي؟
هل نحن إشتراكيون على طريقة السوفيات سابقا أم رأسماليون اليوم لكن بعقلية اشتراكية؟
بصرف النظر عن الإجابة فإن النتيجة واحدة، وهي الفشل في الملف الاقتصادي والنفطي والإستثماري والغازي.
أما الغاز فحكايته حكاية لا تسر صديقا ولا تغيض عدوا.
لدينا من هذا الغاز ما هو خزون في باطن الأرض بكميات هائلة، لكن ليس هناك إرادة سياسية لاستثماره.
ولدينا غاز يخرج مع النفط يطلقون عليه الغاز المصاحب، ولم نتمكن طوال عشرات السنين من فصله عن النفط والاستفادة منه.
وبين هذا وذاك دخلنا في أحجية جديدة بعد عام 2003 عندما أردنا بناء وحدات توليد للطاقة الكهربائية، حيث جلبنا وحدات غازية ونحن لانملك الغاز, أونملكه لكننا لم نحسن استغلاله.
هذا الأمر الأخير جعلنا نعتمد على الغاز المستورد. مفارقة أخرى لافتة على صعيد من "ضيع صول جعابه" غازيا وقبله نفطيا، حيث دخلنا عبر هذه القصة بين التجاذب الأميركي ـ الإيراني.
المفارقة المضحكة اللافتة لكل الأنظار أن كلا الجانبين نصفه في خانة الأصدقاء. الأميركيون يقولون لنا نريد خيركم ومنفعتكم لكن إيران لا تريد ذلك. وإيران تقول نريد مفنعتكم وخيركم لكن أميركا لا تريد ذلك. ولأننا لم نحسن الإدارة، فقد بقينا نستورد من طرف ونطلب السماح من الطرف الآخر.
رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ذبحها وحسنا فعل على قبلة. هذا الذبح وهذه القبلة تقوم على متوالية سياسية ـ اقتصادية قوامها بدء استقلالية القرار العراقي. القرار الذي اتخذه السوداني، وهو قرار شجاع يقوم على مبدأ نستورد الغاز من إيران مقابل تصدير نفط أسود لهم، مقابل أن نضع خطة قابلة للتنفيذ بالإستغناء عن الغاز المصدر إلينا إيراني وغير إيراني في غضون سنتين أو ثلاث. الحقيقة لم يعد لدينا من خيار سوى أن نتخذ قرارا وطنيا خالصا، بصرف النظر عن التداعيات.
خطوة جريئة بالإتجاه الصحيح.
* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *