19 Mar
19Mar

الشائع عراقيا عن نوروز انه يعني عند العرب (دخول عام جديد) ،فيما يعني عند الكورد.. مناسبة جماهيرية لا تعني فقط بداية عام كوردي جديد بل فرح شعبي ترتدي فيه العائلات الكردية الزي التقليدي المزركش بالألوان الفاتحة والزاهية،وتصدح فيه ألاهازيج، وتتشابك الأيدي في حلقات رقص ودبكات ومهرجانات غنائية شعبية تستمر حتى ساعات متأخرة من الليل. وكنا نسمي نوروز ونحن اطفال (عيد دخول السنه)..فيه نوقد الشموع في (الصواني) ونزينها بأوراق الخس واغصان الياس وننثر بينها حلاّل المشاكل (حامض حلو واصابع العروس..)..ونضــــع فـــي وسطها طاسة حنّاء. وفيه كانت الصبايا ومن تردد مع نفسها (عمر وتعدا الثلاثين..لا يفلان)..ينذرن للأمام العباس صواني مزينة بالخضرة وملئى بمنّ السما واصابع العروس ان اصبحت عروسا في نوروز القادم،فيما تملأ صواني أخوتنا الكرد بسبع مواد تبدأ بحرف السين هي : سير (ثوم)، سكه (عمله نقدية)، سنجر (فاكهه مجففه)، سبزي (خضره)، سبيكه (قطعة ذهب)، ساهون (حلويات)، سماق،و سركه (خل). وتوضع في مقدّمة المائدة مرآة وعلى جانبيها شمعدانات تحمل شموعًا مضيئة بعدد أولاد العائلة من الذكور والإناث إضافة إلى مرآة وقرآن وسمك وفاكهة ومكسرات وماء الورد.
وسياسيا، يعدّ نوروز رمزا للتحرر من الظلم والاضطهاد في كردستان وعدد من دول المنطقة، اذ يزيد عدد المحتفلين بهذا اليوم على 300 مليون معظمهم في آسيا،توحّدهم تقاليد ومعتقدات وعادات مشتركة.فجميعهم يحملون شعلة النار لآعتقادهم بأن النار ترمز الى الحياة والخلود،وتعطي الغذاء والدفء والحياة ،وانها تتمتع بقدرات التطهــــير كمـــا يعتقد شعب اذربيجان. واظن ان شعلة الألعاب الأولمبية التي تطوف من اليونان حول العالم قد استعارت هذا التقليد من النوروز لأنها تهدف الى تحقيق نفس الحاجة السيكولوجية: اشاعة المحبة والتآخي بين الناس على اختلاف دياناتهم واجناسهم.وأن قوة سيكولوجيا هذا التقليد اجبرت الحكّام على ايقاف القتال وتوقيع معاهدات السلام واطلاق سراح الأسرى من السجون في يوم النوروز.
اعتدال الربيع
فضلا عن ان الطبيعة ذاتها لعبت دورا كبيرا في سيكولوجيا النوروز، اذ يعد( 21 آذار ) عيد اعتدال الربيع وبدء موسم الزراعة ورمز التجدد والنشاط والدفء،وتشغيل مراكز الانفعالات الفسلجية في الدماغ الخاصة بالفرح والسعادة وتنشيط القلب بحثا عن حب يشتهيه!ومن جميل ما قرأت ان هنالك علاقة بين (نوروز) و (تموز وعشتار). فالمعروف عن حادثة “تموز” أنه في آخر مرة يذهب الى تحت الأرض ثم يأتي الى وجه الأرض كإله، وانه كان يحتفل بموت وحياة “تموز” في وطن سومر، وانه في( 21 آذار ) من كل عام كان السومريون يقيمون احتفالات كبرى في حياة “تموز” ويعرفون هذا اليوم بعيد (زكمك).والحادثة ذاتها ترد في ملحمة الشاعر الكردي الكبير احمدي خان ( مم وزين)، حيث يبدأ الملحمة بيوم نوروز( 21/ آذار- مارس)،في شبه كبير بين قصة (تموز وعشتار)العربية، وقصة العاشقين (مم و زين) الكردية، اذ تمتليء حياة (مم) بالعذاب والفراق بعد معرفته لحبيبته (زين)..وتصبح حياتهما مشابهة للحياة الكارثية لـ(تموز) الذي يذهب الى الاسفل فيما يودع(زين) في السجن الى الموت.
ما يعني أننا العرب والكورد شعبان لنا تاريخ مشترك حتى في الطقوس والأساطير والأعياد،وأن نيروز (كاوه) او نوروز (سومر) الذي وحّد العرب والكورد آلآف السنين،سيبقى ينعش مشاعر المحبة والتآخي بين الشعبين..اليوم وغدا..لأن سحر رموزه في سيكولوجيا اللاوعي الجمعي للناس..يبقى أبديا.


الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة