23 Dec
23Dec

رغم إن بلدنا مر بسنوات خالية من الموازنات الاتحادية قبل وبعد 2003 إلا أنها المرة الأولى التي نشهد فيها إعداد ونفاذ موازنة اتحادية لثلاث سنوات ( 2023 ، 2024 ، 2025 ) ، إذ بدا سريانها بالفعل منذ 1/ 1/ 2023 بعد أن صدرت بموجب القانون 13 لسنة 2023 ، وكان من ابرز مبررات إعداد الموازنة لثلاث سنوات الاستغلال الأفضل للموارد والتخلص من ظاهرة إصدار موازنة تبدأ بعجز وتنتهي بفائض والتي لا يرى اغلب المواطنين اثر إنفاق عشرات المليارات من الدولارات سنويا على وضعهم العام او الخاص ، فضلا عن التخلص من عقدة الصراعات والمزايدات على الموازنة وتأخر مناقشتها والتصويت عليها في مجلس النواب ، ورغم تأخر صدور الموازنة الحالية لستة أشهر وبالطريقة التي اطلع عليها الجمهور إلا إنها تحولت لواقع حال وواجبة التنفيذ رغم ما رافق إصدارها من طعون تقدم بها مجلس الوزراء ، فقد تم حسمها جميعا بالقبول او الرفض من قبل المحكمة الاتحادية ولم تبقى سوى المادة 71 التي تأجل الحكم بها لبداية العام القادم ، والسؤال الذي يتبادر لدى البعض هل إن هذه الموازنة ثابتة وغير قابلة للتغيير بحيث إنها تتكرر بذات أرقام 2023 عاما بعد عام لثلاث سنوات ؟ ، وإذا بقيت ثابتة ولم تتحرك من سكونها فأين التنمية والنمو والتغيير في المجالات التي تستجد وتحوي فقرات في الإنفاق او الإيراد زيادة او نقصان ؟ ، والجواب إن الفقرة ( ثانيا ) من المادة ( 4 ) من قانون الإدارة المالية الاتحادية رقم 6 لسنة 2019 الذي تم الاستناد عليه في إصدار الموازنة لثلاث سنوات أشارت إلى ذلك بوضوح ، حيث نصت : ( تبدأ الموازنة السنوية من 1 / 1 وتنتهي في 31 /12 من السنة ذاتها ولوزارة المالية الاتحادية إعداد موازنة متوسطة الأجل لمدة 3 ثلاث سنوات تقدم مرة واحدة وتشرع وتكون السنة الأولى وجوبية ، ولمجلس الوزراء بناء على اقتراح من وزارتي التخطيط والمالية تعديلها للسنتين الثانية والثالثة وبموافقة مجلس النواب ) ، ورغم المرونة في هذا النص الذي يشير بأنها وجوبية للسنة الأولى إلا انه لم ينص على وجوبية التعديل فيها للسنتين الثانية والثالثة ، وإنما ترك الأمر جوازيا ( دون وجوب ) لمجلس الوزراء في التعديل بناءا على اقتراح وزارتي المالية والتخطيط ، ورغم إن المادة ( 1 ) من القانون ذاته حددت مواعيد وآليات التنبؤات بأنواعها لتكون لمدة ثلاث سنوات وما ( تليها ) من قبل الجهات التي حددها على وجه التخصيص ، ورغم إننا في الأيام الأخيرة من عام 2023 إلا انه لم يتم تداول موضوع التعديل على الموازنة بخصوص نفقاتها وإيراداتها لعام 2024 ، فالقضية توحي( لحد اليوم ) بان موازنة 2024 ستبقى على الحال الذي ورد في موازنة 2023 دون حاجة لتشريع بالتعديل من البرلمان .
ويعتقد البعض إن هناك عدة ومبررات وضرورات لإجراء تعديلات على الموازنة الاتحادية لسنة 2024 ولأسباب عديدة ، أولها الاختلاف المحتمل في إيرادات النفط فالموازنة افترضت سعر برميل النفط بمبلغ قدره 70 دولارًا أمريكيا وبمعدل تصدير ( بيع ) 3.5 مليون برميل يوميا ، في حين أن سعر التعادل للنفط لتغطية جميع النفقات يبلغ فعليا 112 دولار للبرميل ، وسيؤدي ذلك إلى عجز مالي قدره 39.7 مليار دولار ويمثل 14.3% من الناتج المحلي الإجمالي ويعادل ما يقرب من نصف الاحتياطيات القياسية المتراكمة خلال السنوات 2021-2022 المتأتية من فروقات أسعار النفط بين ما ورد في الموازنة والعوائد الفعلية من التصدير ، وإذا تم تنفيذ نفقات الموازنة بالكامل فقد تؤدي إلى الاستنزاف السريع للمكاسب النفطية وتجدد الضغوط المالية ، في ظل عدم الاستقرار الحالي بأسعار النفط العالمية إلى دون 80 دولار للبرميل إلى جانب تخفيض حصة العراق بموجب اتفاق اوبك + ، كما إن مشكلات تصدير نفط إقليم كردستان من خلال المنافذ التركية متوقفة و لم تحل منذ عدة شهور ، وثانيها ارتفاع النفقات التشغيلية بعد التعيينات التي شملت بحدود مليون سواء بتعيينات جديدة او بتحويلهم من إجراء وعقود إلى دائمين إلى جانب شمول فئات جديدة ببرنامج الحماية الاجتماعية ومنح مخصصات لبعض فئات المتقاعدين من العمال والموظفين والعسكريين ، والسبب الثالث هو انتهاء انتخابات مجالس المحافظات التي أجريت في 18 من الشهر الحالي والتي تنتج مجالس محافظات منتخبة ومحافظين بالأصالة ، وما يترتب على ذلك هو مطالبة المحافظات بكامل تخصيصاتها من الموازنتين الاستثمارية والتشغيلية وحصصها المتراكمة من البترو- دولار وتنمية الأقاليم لتقديم الخدمات للمواطنين كمحاولة لتأكيد جدارتها أمام الجمهور ، دون أن نغفل إن أكثر الفائزين يمثلون كتل وأحزاب ومن اهتماماتها إثبات وجودها تمهيدا للانتخابات البرلمانية عام 2025 ، أما السبب الآخر فهو استمرار التباين بين أسعار الصرف الرسمية وفي السوق السوداء ، حيث ينتج عن ذلك تضخم وزيادة في الأسعار و خسارة الحكومة لجزء من الإيرادات في الموازنة واضطرار وحدات الصرف في الدولة للإنفاق المحلي بموجب الأسعار السائدة في الأسواق التي تتأثر إلى حد معروف بسعر الصرف الموازي في الأسواق ، وتبقى مخلفات الاقتصاد الريعي من المشكلات الكبيرة التي تواجه الدولة ، وفي هذا الإطار يقول السيد علي العلاق محافظ البنك المركزي العراقي (أن رقم العجز غير النفطي يزيد عن 80% وهو يهدد الوضع المالي للدولة، مشيرا إلى إن الحكومة لا تستطيع إعادة توزيع الدخل ضمن الأدوات الموجودة ) .
واستنادا لجانب من تقرير البنك الدولي حول الاقتصاد العراقي ، فان من المفيد توظيف الاستقرار السياسي والأمني في إحداث طفرات في مجال التنمية والاستثمار لإشباع الرغبة الإصلاحية التي  من الممكن يشهدها البلد بسبب التنافس السياسي ، فلا تزال الآفاق الاقتصادية عرضة لمخاطر كبيرة ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى التحديات الهيكلية العميقة ، فالاعتماد الكبير على النفط يجعل الاقتصاد عرضة للصدمات في أسواق النفط والطلب العالمي وذلك يتضح من خلال الانخفاض الحالي بأسعار النفط ، ويضاف لذلك انعكاس الهشاشة الموجودة مسبقًا بما في ذلك ارتفاع معدل انتشار الفساد وانخفاض مشاركة الموارد البشرية الوطنية وخاصة الإناث في مجال  انتاج الدخل وارتفاع  شيوع القطاع غير الرسمي ضمن القطاع الخاص ، ولان المادة 4 من قانون الإدارة المالية أعطت المرونة في تعديل الموازنة بعد السنة الأولى الوجوبية ولم تضع توقيتات للتعديل بموجب تشريع يصادق عليه مجلس النواب ، فمن المتوقع أن لا يلجا مجلس الوزراء لطلب إجراء تشريع لتعديلات جوهرية على موازنة 2024 ، إلا في حالة الضرورة الملجئة بناءا على طلب وزارتي التخطيط والمالية ، وسبب هذا الاعتقاد وجود وفرة مالية من التخصيصات المالية لعام 2023 بعد التأخر في إصدار تعليمات تنفيذ الموازنة وتأخر إطلاق التخصيصات ، إذ لم تنفق منها سوى نسب محددة من مجملها لتغطية بعض المصروفات ومنها المصروفات الحاكمة من الرواتب والتموينية والحماية والاجتماعية ولغرض انجاز المشاريع القائمة والتي تلكأ انجازها إثناء وجود حكومة تصريف الأعمال لمحدودية صلاحياتها المالية ، وفي حال تعرض الحكومة لحالات تتطلب زيادة الإنفاق تحت ضغوط مجالس المحافظات وغيرها من الضغوطات المطالبة بعدالة مدفوعات الموظفين من خلال الدفع بتعجيل تعديل سلم الرواتب او زيادة الرواتب التقاعدية  او زيادة التعيينات او النقص في إيرادات النفط او غيرها من الأمور ، فان معظم المعالجات ستكون من المناقلات بموجب الجداول وبموجب الصلاحيات التي وردت في قانون الموازنة النافذ ،  وفي كل الأحوال فان  طلب التعديل على الموازنة بالزيادة او النقصان سيبقى حقا من الممكن أن تلجا إليه الحكومة لتلبية الضرورات ، وما يدعم تقلص حجم الضرورات هو الجانب الإيجابي في مجال الاستقرار النسبي في الأحوال السياسية الداخلية فيما يتعلق بتشكيل الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية ، فمن المفترض أن تمهد الطريق لمزيد من الاستثمار في الاقتصاد ، ويمكن أن يكون للإجراءات التي اتخذها مجلس الوزراء الحالي فيما يتعلق بإصلاح  جوانب من السياسات المالية والنقدية وغيرها من الإجراءات في المجال الخدمي وبعض الاصلاحات في إطار تحفيز الدفع الالكتروني وغيرها أثرا في زيادة النمو بالناتج محلي وان كان على نحو محدود .


الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة