لا يمكن النظر من مقاربة محددة في التعامل مع الوسيط الأميركي في مفاوضات غزة خاصة وأن الإدارة الأميركية، ومنذ الفترة الأولى للمواجهات في قطاع غزة تتعامل على أنها طرف رئيس ومحوري في دعم إسرائيل، والعمل على توفير متطلبات الجيش الإسرائيلي في الحصول على صفقات السلاح برغم حالة التحفظ والتباين في الكونجرس ومجلس الشيوخ على السلوك الإسرائيلي غير المنضبط، وهو ما دفع بقوة إلى دخول الخارجية على الخط والتعامل مع صفقات السلاح على أنها أمر اضطراري، ويقع تحت بند الطوارئ الفيدرالية، وهو ما يؤكد على أن الإدارة الأميركية تتحول تدريجيا كشريك حقيقي فيما يجري في قطاع غزة بل وطرف مؤثر اتضحت معالمه بالعمل في الرصيف البحري، وتأمين حضورها في الشمال إضافة إلى أن الإدارة الأميركية تجاوبت مع طرح وزارة الدفاع الأميركية في العمل في جنوب إسرائيل بما سيدشن قاعدة عسكرية مقيمة للدفاع عن أمن إسرائيل، وقبل أن تبدأ الترتيبات الأمنية التي سيعمل عليها الجانبان الأميركي والإسرائيلي بعد وقف إطلاق النار، أو حتى مع استمراره في ظل إجراءات من جانب واحد ومباشر، وهو الأمر الذي يفسر استمرار التنسيق الأمني والاستراتيجي، وتمهيداً لمسارح العمليات في ظل استمرار القوات الإسرائيلية على الأرض والعمل على مزيد من السيناريوهات المحكمة، والتي قد توفر للجانبين الأميركي والإسرائيلي الكثير من المقومات للتحرك، أو العمل. ويبدو أن الإدارة الأميركية لن تغادر غزة بل ستعمق حضورها السياسي والاستراتيجي من الآن فصاعداً من خلال بعض عناصرها في «سنتكوم» العاملة في الشرق الأوسط ما قد يؤدي إلى تثبيت شراكة الولايات المتحدة في قطاع غزة، وفي ظل ما يجري من خطوات مفصلية، ولعله ما طرح أيضاً من إمكانية تعيين قائد أميركي لأمن وإدارة غزة، ما يؤكد على هذا التوجه، ويذكر بتعيين بريمر في العراق، وذلك بهدف تثبيت أركان الحكم، وعدم حدوث مواجهات جديدة بما قد يساعد هذا الإجراء في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة وخاصة الجانب الإسرائيلي، وبث الأمل في عناصر السلطة الفلسطينية بأن بعض عناصرها قد تعود في توقيت لاحق لإدارة الأوضاع في غزة خاصة أن الاحتلال لن يدوم كثيراً - وإنْ بقي في القطاع سنوات - وأنه قد آن الأوان للتعامل مع هذه المعطيات الراهنة الأمر الذي يشير إلى أن واشنطن تتحول تدريجياً إلى شريك فاعل ومؤثر وموجه تخوفاً من ارتدادات ما يجري في غزة على الداخل الأميركي. وبات واضحاً احتمالات تأثير الوضع في غزة على الانتخابات الأميركية، وانخفاض شعبية الرئيس الأميركي جو بايدن، ومعاناته مع قيادات حزبه وخاصة من الشباب التقدمي الثائر على سياسات غير فاعلة أضرت بالمصالح الأميركية، وتتطلب تغييراً في الرؤية. وبرغم ذلك - وتحت تأثير التطورات الراهنة في شرق رفح – فإن الولايات المتحدة ستتحرك في مسارات الترتيبات الأمنية بالتنسيق مع إسرائيل والشركاء في الإقليم، بصرف النظر عن نجاح مسار التهدئة. وفي حال حدوث أي انقطاع في إدارة ما يجري لاعتبارات سياسية أو استراتيجية فان الولايات المتحدة ستمضي في إطارها بصرف النظر عن استئناف المفاوضات أو تعثرها حيث سيمثل التنسيق المشترك مساحات رحبة ومراجعات وتقييمات ممتدة ما يؤكد على أن الهدف الرئيسي بين البلدين يركز على أن الأهداف الرئيسة الكبرى للسياسيتين الأميركية والإسرائيلية اعتماد نظرية شراء الوقت والانتقال من مرحلة الدعم والتنسيق إلى بناء الشراكات السياسية والاستراتيجية المتكاملة لما يجري في غزة أولاً، ثم في الإقليم ثانياً مع مضي إسرائيل في العمل العسكري في شرق رفح استكمالاً إلى ما طرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو. ويبدو أن نتنياهو يريد أن ينقل رسالة للجمهور الإسرائيلي بأنه لن يتراجع عن خططه، وأنه ماضٍ في مسار العمل العسكري، ولن يتراجع عنه وبرغم ما يجري في إسرائيل من تطورات حقيقية على أرض الواقع ومتعلقة بسعي مجلس الحرب بالاتجاه صوب العودة للمفاوضات مجدداً، ودفع الولايات المتحدة للوسيطين المصري والقطري لاستئناف الوساطة. ويبدو أن الولايات المتحدة تتصرف كما لو أنه لا يوجد أي تعارض بين ما هو سياسي، أو عسكري وأن التوجهين يعملان معاً في الوقت الراهن مع التأكيد على سعي رئيس الوزراء نتنياهو للعمل على مسارات عدة دون أن يدفع تكلفة لكل حركة في الوقت الراهن، حيث تتم إدارة الأمر من أعلى مع عدم الصدام بالأطراف الرئيسة، وعلى رأسها مصر حيث خلافات فتح المعبر والتواجد في ممر صلاح الدين، وإجراء الترتيبات الأمنية من جانب واحد في ظل مساعي إعادة ترتيب الخيارات والسيناريوهات على مستويات عدة تجنباً لأي انقطاع. يمكن التأكيد إذن على أن إسرائيل-في سياق ما يجري من تطورات - ستعتمد على استراتيجية المفاوضات الواقعية في رفح وممر صلاح الدين، وتنفيذ مخطط تقطيع القطاع وشطره والإسراع بإجراء الترتيبات الأمنية الراهنة في عمق غزة والانتقال تدريجياً إلى العمل على كامل حدود القطاع وامتداداته من أجل التحسب لكل الخيارات المحتملة خاصة أن الولايات المتحدة قد تعجل بتوجه حساباتها، وتقييماتها المسبقة ليس لتأكيد الحضور الاستراتيجي والسياسي، فيما يجري ولكن توثيقاً لنمط التحالف الاستراتيجي بين البلدين.
*نقلا عن الاتحاد
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"