19 May
19May

شعر إبراهيم المسعود بألم شديد حين قرأ تقريراً عن الإحاطة التي قدَّمتها الممثلة الأممية جينين بلاسخارت عن الأوضاع في العراق. هو يعرف أنَّ الأوضاع سيئة في كلِّ جوانبها، ويُدرك أنه يكتوي ـ صحبة أعداد تتنامى يومياً ـ بمصاعب اقتصادية هائلة في بلد أنعم الله عليه بثروات تفيض عن حاجته، لكن مع ذلك صدمته بشدّة تأكيدات هذه الممثلة.أشدّ ما آلمه أنه لم يجد في الإحاطة بارقة أمل، كما لم يجد النفق الذي يمكن أن يرى نوراً ـ وإن كان شاحباً ـ في نهايته. وبقي سؤال محيّر يطرق رأسه بلا هوادة: ألم يكن بمقدور مسؤولي البلد الاتفاق على إنجاز مشروع واحد، واحد فقط، من بين آلاف يمنعون عنه يدهم الفاسدة؟. مشروع واحد متكامل يمكن أن يفتح نافذة للضوء؟استعاد إبراهيم المسعود بذاكرته نعيم الجهل الذي كان يعيشه قبل هجمة الإنترنت والصحون التي علت أسطح المنازل، فصبَّت على رأسه ورؤوس الناس عذابات أن يرى الناس كيف تعيش في بلدان أخرى. وأكله الحسد من مواطني كوريا الشمالية الذين يظنون أنَّ العالم كله يتمحور حول قائدهم "الضرورة".خرج إلى الشارع لعلَّ الهواء يبدد بعض ألمه، فرأى جاره يضيف "طسّة" أخرى في الشارع، وآخر يحفر التبليط ويثقب أنبوب ماء الإسالة، وثالث تمدد بيته ليحوّل الرصيف إلى گراج.. رفع رأسه إلى السماء المغبرّة فاصطدمت عيناه بشبكة كبيرة ملتفة من أسلاك المولدات والكهرباء الوطنية.حين رجع مختنقاً إلى البيت، وقف خائباً أمام مكتبته الضخمة، وأزعجه جداً أنَّ كتب علي الوردي لم تقدم له إجابة ما عما يحدث، ولأول مرة شعر أنَّ علماء النفس والاجتماع والسياسة والفلسفة أغبياء، وبدوا أمامه عرايا لا يفهمون حقيقة ما يجري في بلد الحرف الأول والعجلة الأولى.وضع أكوام الكتب في حوش البيت، وطفق ينظر بلذة إلى أغلفتها وهي تحترق أمامه. لسعت النار يده وهو ينقذ كتاباً لشاعره المفضل محمود درويش، فتذكر خروجه من فلسطين بعد نكسة حزيران ليفهم كيف هُزم العرب أمام "دويلة" صغيرة. قرّر لحظتها ترك البلاد ليفهم ما عجزت الكتب عن تفسيره.

* ملاحظة: المقالة تعبر عن رأي صاحبها *

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة