كنت من المتابعين الشغوفيين لمجمل النشاط المسرحي، بل ومن العاملين به في تسعينيات القرن الماضي ، ومن ضمن تلك الأسماء المشاكسة كان حيدر منعثر وهو يجتهد بتقديم مسرحيات شعبية نقدية ملغزة وساخرة عن حال البلاد في زمن البؤس الذي كان يدفع المثقفين والمسرحيين على وجه الخصوص الى الضبابيبة والغموض هربا من الملاحقة، لكن ما قدمه منعثر في مسرحية ملك زمانه (على سبيل المثال) يضعنا أمام تجربة متمردة تدين بوضوح شخصه (صديقنا الكاتب والصحفي أحمد الصالح في إحدى مقالته) عنجهية وممارسات عدي صدام حسين وابيه في سنوات الحصار ، حيث اعتمد الكوميديا السوداء ذات الاسقاطات الجريئة التي اصابت الجمهور بالذهول (وأنا منهم) من تمرير هذا التشابه بين ملك مستهتر ورئيسنا في زمن الاستبداد والجوع ،ولاننا في اطار تقييم أهمية الدور التنويري للمسرح الملتزم ذات التوجهات الجماهيرية أو أهمية وضرورة هذه الأعمال في التثقيف والتبسيط ! نقف امام سؤال جوهري هل علينا أن نطالب بنفس نوعية هذه الأعمال ، ام الحال تغير؟ هل طرأ تغيرا كبيرا على مزاج التلقي؟ وهل مساحة الحرية تمنح فضاءا أوسعا للخروج من عويل الاستذكار والاسهاب بجلد الذات والحوارات الطويلة ؟! ام أن هناك حاجة ملحة لاستعادة عافية التواصل الحتمي بين الجمهور ومسرح الثورة الاصلاحية الذي يحرص على كشف المستور ،حتى وان تطلب ذلك حوارا مبسطا وساخرا ومباشرا قد يثير جدل الاوساط الثقافية التي تطالب المخرج الاكاديمي حيدر منعثر وفريقه في مسرحيته التي عرضت مؤخرا بعنوان (وين رايحين) تطالبه بالكف عن استقدام كوميديا المسرحيات الشعبية الى منطقة المسرح الملتزم ذات الصبغة الثورية المنحازة الى مشاهد أو مواقف تتأقلم مع ذكاء المتلقي أو تمنحه فرصة القراءة مع تدفق الدلالات وفق سياقات النص الذي يقبل التأويلات ، لكن ذلك لا يقلل من أهداف هذا العمل الجريء في مضمونه ورسالته الى حاولت اختصار رحلة العراقيين مع سلسلة الحماقات السياسية التي اجهزت على احلامنا …ولعل تلك (السيارة) التي اختارها المخرج مع سائقها (الاحمق) وضعتنا أمام مسؤولية استرجاع تاريخنا الاجتماعي والسياسي وتحقيق الفعل التضامني بعد سيل الاخفاقات التي تلاحقنا لاجل أن نحقق ارادتنا الشرعية في قيادة (سياراتنا) أو مستقبلنا قبل الوقوع في الهاوية!
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة انباء "النافذة"