يواصل الاقتصاد العالمي إظهار مؤشرات انتعاشة متواضعة، بعد التباطؤ الحاد الذي أصاب الاقتصاد في أواخر 2022، لكن التوقعات أصبحت مهددة نتيجة استمرار ارتفاع معدلات التضخم، والضغوطات التي تواجهها المصارف الأمريكية والأوروبية.
إذ أظهرت مسوحات الأعمال التجارية المنشورة الجمعة 24 مارس/آذار، تسجيل ارتفاعٍ في مستويات النشاط التجاري بقارة أوروبا، بحسب صحيفة Wall Street Journal الأمريكية الجمعة 24 مارس/آذار 2023، لكن التوقعات الجيدة قد تنقلب رأساً على عقب إذا قررت المصارف خفض معدلات الإقراض بشدة، وذلك استجابة للتدقيق الأكثر صرامة من الجهات التنظيمية وضرورة تقديم عائدات أعلى للمودعين.
كما ستؤدي الزيادات السريعة والمتواصلة في أسعار المستهلكين إلى زيادات أكبر في معدلات الفائدة، التي تفرضها البنوك المركزية، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ويُجبر التضخم البنوك المركزية على الاستمرار في رفع معدلات الفائدة، من أجل تهدئة النشاط الاقتصادي. لكن معدلات الفائدة الأعلى تسبب أوجاعاً متراكمة لدى بعض أجزاء القطاع المصرفي.
*المصارف أكبر المتضررينوأحدثت الزيادات السريعة لأسعار الفائدة الأمريكية والأوروبية -خلال العام الماضي- هزةً في اقتصادات المنطقة، وقد أصبحت المصارف أول ضحايا هذا العلاج بالصدمة.
حيث اضطربت الأسواق نتيجة انهيار مصرفي سيليكون فالي وسيغنتشر؛ مما دفع بالمودعين إلى الفرار وأثار المخاوف من انتشار العدوى. لكن الجهات التنظيمية أعلنت إنقاذ أصحاب الودائع غير المؤمنة لإنهاء حالة الفزع. وفي أوروبا، تدخلت الجهات التنظيمية لرعاية استحواذ مجموعة UBS على منافستها القديمة مجموعة كريدي سويس المصرفية، التي ضعفت بعد سنوات من الفضائح الداخلية وخسائر التداول.
وقالت البنوك المركزية والجهات التنظيمية إنها نجحت في احتواء تلك الضغوطات المصرفية، لكن مسألة استرداد الثقة الكاملة بالنظام المصرفي قد تستغرق عدة أشهر.
بينما قال ينس ماغنوسون، كبير الاقتصاديين في مجموعة SEB السويدية للخدمات المصرفية: "هناك فرص جيدة لاحتواء الأمر. لكن توافر الفرص الجيدة لا يعني أنها ستتحقق بالضرورة. وليس هذا الوقت مناسباً للشعور بالرضا عن النفس، ولا يمكن أن تسترخي وتعتبر الأمر قد انتهى. بل يجب أن نظل في قمة انتباهنا لأي مؤشرات إجهاد مصرفي على مدار أسابيع، وربما أشهر".
وفي الوقت الراهن، يواصل اقتصاد أوروبا إظهار مؤشرات القوة، حيث أجرت شركة S&P Global مسوحات للأعمال التجارية، ورصدت ارتفاعاً في النمو خلال أول ثلاثة أشهر من العام الجاري، مع تجنب الركود الذي توقعه كثيرون حين ارتفعت أسعار الطاقة عقب الهجوم الروسي على أوكرانيا العام الماضي.
*تخلي الصين عن "صفر كوفيد"وفضلاً عن القوة التي أظهرتها أوروبا، فقد أشار تخلي الصين عن سياسة صفر كوفيد إلى توقعاتٍ مستقبلية أفضل لاقتصاد العالم في العام الجاري. وربما تشير أحدث البيانات إلى انتعاشةٍ في الأنشطة داخل الصين نفسها، لكن مسوحات الأعمال التجارية تُشير إلى تسجيل آثار إيجابية في غيرها من الأماكن.
حيث انتعش قطاع الخدمات الياباني بأسرع معدلاته منذ أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، بالتزامن مع مسارعة السياح من الصين لاستغلال حريتهم الجديدة في السفر إلى الخارج.
ولا شك في أن النمو الأقوى له سلبياته من وجهة نظر مسؤولي البنوك المركزية، الذين انشغلوا بتهدئة النشاط الاقتصادي مؤخراً. وربما أشارت مسوحات الأعمال التجارية إلى تباطؤ في وتيرة رفع الشركات لأسعارها، لكن وتيرة رفع الأسعار الحالية تظل مرتفعةً جداً بالمعدلات التاريخية.
لهذا قال كريس ويليامسون، رئيس اقتصاديي الأعمال في S&P Global Market Intelligence: "ستكون الضغوطات التضخمية العنيدة بمثابة مصدر قلق لصناع السياسات، حيث يغذيها قطاع الخدمات وارتفاع تكاليف الأجور في الأساس. وتشير تلك الضغوطات التضخمية إلى حاجتنا لبذل جهود أكبر على صعيد خفض معدلات التضخم إلى المستويات المستهدفة".
وخفض المستثمرون توقعاتهم لمعدلات رفع الفائدة المستقبلية بواسطة البنوك المركزية الكبرى، وذلك عندما ظهرت الضغوطات التي يعانيها النظام المصرفي للمرة الأولى. لكن تلك البنوك المركزية أعلنت سلسلةً من معدلات رفع الفائدة على مدار الأيام الـ10 الماضية، وأشارت بعضها إلى احتمالية رفع الفائدة أكثر؛ نظراً إلى استمرار ارتفاع التضخم.
وعلى النقيض، لمح رئيس "الاحتياطي الفيدرالي"، جيروم باول، إلى أن زيادة الفائدة في يوم الأربعاء 22 مارس/آذار، قد تكون الأخيرة خلال المستقبل القريب. لكن الأمر سيعتمد على مدى تراجع حركة الإقراض عقب حالة الفزع المصرفي في الشهر الجاري.