أقرّت الأمم المتحدة معاهدة لمكافحة الجرائم الإلكترونية بعد مناقشات استمرت لثلاث سنوات، على الرغم من أنها لاقت معارضة من الحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني خشية استخدامها ضد المثليين جنسياً والمعارضين السياسيين.
وذكرت وكالة "فرانس برس" أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وافقت على أول معاهدة لمكافحة الجرائم الإلكترونية، والتي يجب أن تعتمدها الجمعية العامة رسمياً ثم تصادق عليها كل دولة.
ويخشى المدافعون عن حقوق الإنسان من إمكانية استخدام النص من قبل الدول التي تجرم المثلية الجنسية أو تستهدف المعارضين والصحفيين.
واعتمدت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أمس الخميس، معاهدة لمكافحة الجرائم السيبرانية، على الرغم من المعارضة الشديدة من نشطاء حقوقيين الذين يحذرون مما أطلقوا عليه "أداة رقابة عالمية".
وتمت الموافقة على "اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجرائم الإلكترونية" بالإجماع، بعد ثلاث سنوات من المفاوضات الرسمية، وجلسة أخيرة دامت أسبوعين في نيويورك. وسيتم تقديمها بعد ذلك إلى الجمعية العامة لاعتمادها رسمياً.
وقالت الدبلوماسية الجزائرية فوزية بومعيزة مباركي، رئيسة لجنة صياغة المعاهدة، وسط التصفيق "أعتبر الوثائق معتمدة. شكراً جزيلاً لكم، هنيئاً للجميع".
وأنشئت اللجنة عقب مبادرة أولية قدمتها روسيا في العام 2017، رغم المعارضة الأميركية والأوروبية.
وستدخل المعاهدة الجديدة حيز التنفيذ بمجرد أن تصادق عليها 40 دولة عضو، وهي تهدف إلى "منع ومكافحة الجرائم السيبرانية بشكل أكثر كفاءة وفعالية"، ولا سيما في ما يتعلق بصور الاعتداء الجنسي على الأطفال وغسل الأموال.
وقالت مندوبة جنوب إفريقيا "أثبتنا أهمية الإرادة السياسية وتصميمنا المشترك على منع الجرائم السيبرانية ومكافحتها من خلال التعاون الدولي"، مرحّبة باسم المجموعة الإفريقية بـ"الاتفاق التاريخي".
وأضافت أن "المساعدة التقنية وتعزيز القدرات سيوفران الدعم اللازم للبلدان ذات البنى التحتية السيبرانية الأقل تطوراً".
لكنّ منتقدي هذه المعاهدة، وهم تحالف غير مألوف يضم ناشطين حقوقيين وشركات تكنولوجيا كبرى، يدينون اتساع نطاقها، معتبرين أنها يمكن أن ترقى إلى مستوى معاهدة "رقابة" عالمية ويمكن استخدامها للقمع.
ويرد في النص المعتمد أنه يجوز لأي دولة عضو، عند التحقيق في أي جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدة لا تقل عن أربع سنوات بموجب القانون الوطني، أن تطلب من سلطات دولة أخرى أي دليل إلكتروني مرتبط بالجريمة، وكذلك طلب بيانات من مزودي خدمة الإنترنت.
واعتبرت ديبورا براون من منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية أن الأمر سيكون "كارثة بالنسبة إلى حقوق الإنسان ولحظة قاتمة للأمم المتحدة"، واصفة الاتفاق بأنه "أداة مراقبة متعددة الأطراف غير مسبوقة".
وفي هذا السياق، أبدت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تحفظات جدية بشأن النص، ودعت الدول هذا الأسبوع إلى "ضمان أن تكون حقوق الإنسان في قلب المعاهدة".
وأضافت على منصة "إكس"، قائلة "يجب ألا يخشى المدافعون عن حقوق الإنسان والباحثون والأطفال تجريم نشاطات محمية".
وفي حين ثمة إجماع على مكافحة استغلال الأطفال في المواد الإباحية والاستغلال الجنسي للأطفال، يشعر البعض بالقلق من احتمال تجريم صور سيلفي حميمة أو صور ملتقطة من جانب قاصر أثناء علاقة جنسية بالتراضي.
من جهته، قال نك أشتون-هارت الذي يترأس وفد منظمة "سايبر سيكيوريتي تيك أكورد" في هذه المفاوضات التي تضم أكثر من 100 شركة في القطاع مثل "مايكروسوفت" و"ميتا" لوكالة الأنباء الفرنسية "للأسف، اعتمدت اللجنة اتفاقاً من دون التطرق إلى عيوب رئيسية حددها المجتمع المدني والقطاع الخاص وحتى هيئة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة".
وأضاف "نعتقد أنه يجب على الدول عدم توقيع هذه المعاهدة أو تطبيقها".
لكن على عكسه، ترى بعض الوفود أن المعاهدة تعطي مساحة كبيرة لحقوق الإنسان.
وقبل بضعة أيام، اشتكت روسيا الداعمة التاريخية لهذه المعاهدة، من أن النص أصبح "مشبعاً بضمانات حقوق الإنسان"، متهمة بعض الدول بالسعي إلى تحقيق "أهداف أنانية ضيقة تحت شعار القيم الديموقراطية".