أصبحت الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة "الأكثر كلفة" بين جميع الحروب الإسرائيلية السابقة، إذ تشير تقديرات البنك المركزي الإسرائيلي إلى أنها ستتجاوز 67 مليار دولار بحلول 2025.
وقارن تقرير لـ"بلومبرغ"، بين تأثير الحرب الحالية على الاقتصاد الإسرائيلي بما حدث عقب حرب عام 1973، وما يسمى في إسرائيل بـ"العقد الضائع"، والذي كان له تداعيات اقتصادية سلبية في سبعينيات القرن الماضي، مع ارتفاع الإنفاق العسكري.
واعتبر قادة إسرائيل في السبعينيات، أن حرب 1973 كانت "درساً" كشف عن حاجتهم إلى "زيادة حجم التجهيز، والإنفاق العسكري بدرجة كبيرة".
وذكرت "بلومبرغ" أن ما حدث بعد حرب 1973 كان يُنظر إليه من قبل اقتصاديين باعتباره "قصة تحذيرية"، إذ تسبب إصرار إسرائيل على تكثيف الإنفاق العسكري بدرجة هائلة، بنحو 29% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة من 1973 إلى 1975، في مشكلات اقتصادية كبيرة. إذ تفاقم العجز الحكومي إلى 150% من الناتج المحلي الإجمالي، ما أدى إلى ارتفاع التضخم السنوي إلى 500%.
وانتهت الفترة المعروفة في الدوائر الاقتصادية باسم "العقد الضائع" في ثمانينيات القرن الماضي، عندما استعانت إسرائيل بمتخصصين من الخارج للمساعدة على صياغة إصلاحات اقتصادية جذرية صارمة، أدت إلى خفض الإنفاق الحكومي واستقرار الشيكل وجذب الاستثمار الأجنبي.
الحرب "الأكثر كلفة"
ورغم أن واقع إسرائيل اليوم مختلف تماماً، لكن أوجه التشابه لا تزال "تثير الذعر" داخل إسرائيل، في ضوء الحرب التي تشنها على غزة.
وتشير تقديرات البنك المركزي الإسرائيلي إلى أن التكلفة الإجمالية للحرب ستصل إلى 250 مليار شيكل (ما يعادل 67.4 مليار دولار) حتى عام 2025. كما شهد الربع الرابع من عام 2023 انخفاضاً سنوياً في الناتج الاقتصادي الإسرائيلي بنسبة 21.7%.
وكان الإنفاق العسكري قبل الحرب قد وصل إلى أدنى مستوياته على الإطلاق، عند 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي.
ومن المقرر أن يتضاعف الإنفاق العسكري هذا العام ليصل إلى 9%، حسبما ذكر مانويل تراجتنبيرج، الأستاذ الفخري في قسم الاقتصاد بجامعة تل أبيب، لـ"بلومبرغ".
وأضاف الباحث في مجال الاقتصاد أن "الاختبار الحاسم سيتمثل في قدرة الحكومة على خفض الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات معقولة في غضون عدة سنوات"، محذراً من أنه "بخلاف ذلك ربما ننزلق إلى عقد ضائع آخر".
ومن المتوقع أن يوصي خبراء وزارة المالية الإسرائيلية الحكومة بتخفيض نحو 11 مليار دولار في ميزانية الدولة للعام المقبل.
وفي السنوات الـ15 الأخيرة، بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل معدلات أعلى من نظيره في بريطانيا وفرنسا واليابان. كما ارتفع عدد الشركات متعددة الجنسيات التي تعمل في البلاد إلى أكثر من 400 شركة مقارنة بأقل من 150 شركة.
وفي هذا السياق قال ديفيد بروديت، المدير العام الماضي لوزارة المالية الإسرائيلية، لـ"بلومبرغ"، إن إسرائيل دخلت الحرب الحالية بمخزون ضخم من احتياطيات العملات الأجنبية ودين داخلي منخفض، إذ وصلت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 62%، ومن المتوقع أن يرتفع الآن إلى 67%.
رغم ذلك يحذر بعض الخبراء من أن خط النمو الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من عقدين، ولم يقطعه سوى جائحة كورونا، "يواجه خطراً محدقاً"، وفق "بلومبرغ".
تحذير من سحب الاستثمارات
ويكمن الخطر الأكبر، بحسب "بلومبرغ" في أن تأخذ التدفقات الاستثمارية في قطاع التكنولوجيا، بالغ الأهمية، منحى آخر، حال قامت الشركات العالمية العملاقة بسحب حصصها، أو غادرت الشركات الناشئة إلى مناطق أخرى بحثاً عن عاملين.
بدوره، قال جاد يائير، عالم الاجتماع بالجامعة العبرية في القدس، إنه "بخلاف كل الحروب الأخرى تقريباً في تاريخنا، لن تكون هذه فترة قصيرة يمكننا العودة منها سريعاً"، مشيراً إلى أن "هذه الحالة ستستمر سنتين أو ثلاث على الأقل".