02 Apr
02Apr

تعد صناعة السياحة من أكثر الصناعات نموا بعد النفط من حيث عدد المستخدمين ورأس المال المستثمر وعائدات العملة الأجنبية، حيث تعتمد هذه الصناعة بصورة أساسية على العمالة، إذ يجري تشغيلها لاستقبال الوافدين من السياح وتقديم الخدمات لهم، وفي العراق فإن أبرز المدن السياحية هي النجف وكربلاء، وفيها تنشط مختلف القطاعات ولاسيما الفنادق.
وفي النجف، فقد شهدت هذه الصناعة تراجعا كبيرا، بل وإنتكاسة أدت إلى تقليص عدد الفنادق وتحويل بعضها إلى مراكز تجارية، بسبب العقوبات المفروضة على إيران، حيث يشكل الإيرانيون النسبة الأعظم من السائحين للمحافظة، المعروفة بالسياحة الدينية حصرا، لكن بالمقابل فإن إشكالا آخر طرح، حول عدم استثمار الجهات الرسمية للمواقع الأثرية والمواقع الدينية المسيحية، لغرض الجذب السياحية واعتمادها على السياحة الدينية “الشيعية” حصرا، والتي تواجه تراجعا الآن.
ويقول رئيس رابطة الفنادق في النجف، صائب أبو غنيم، خلال حديث له، إن “نسبة الزائرين الإيرانيين إلى النجف وكربلاء تتجاوز ما نسبته 80 بالمائة من إجمالي أعداد الزائرين لهاتين المدينتين، وتسببت العقوبات على إيران بتذبذب سعر الصرف لديها، وفرق العملة أثر سلباً على الزائرين”.
ويضيف أبو غنيم، أن “الحكومة العراقية تفتح جميع الأبواب للزائرين بصورة عامة وخاصة الإيرانيين منهم في المناسبات الدينية مجاناً، إضافة إلى أن النقل الداخلي والخدمات والطعام جميعها مجانية، لذلك الإيرادات المستحصلة من الجانب الإيراني قليلة، وكذلك الحال بالنسبة للبنانيين نتيجة هبوط عملتهم، أما الخليجيين، فهو يزورون العتبات المقدسة في الأوقات التي تناسبهم لاستقرار وضعهم المالي، لكن لا يأتون بأعداد كثيرة”.
ويوضح أن “الفنادق بصورة عامة قد تأثرت بصورة كبيرة فيما يتعلق بتشغيل الأيدي العاملة، فقد جرى تقليص أعدادهم والاقتصار على الموظفين الأساسيين والذي هم بالدرجة الاساس من الحراس، كابتن الصالة، والكاشير، ومشغلين المولدات والمنظفين والمنظفات”، مبينا أن “عدد الفنادق في النجف 350 فندقاً، لكنها تراجعت إلى 275 فندقاً، أي 75 فندقا خرج عن الخدمة بسبب قلّة السياحة، وبالتأكيد تم تسريح عمالها، أما بقية الفنادق العاملة حالياً، فإن نسبة كبيرة منها خارج المدينة، وهذه لا تعمل بطاقتها القصوى، بل يصل العمل فيها إلى نسبة 20 بالمائة، لذلك جرى تسريح أعداداً كثيرة من العمال، عدا المنطقة القريبة من الحرمين، فهذه تنشط الحركة الفندقية فيها ولا يتم تسريح العمال فيها لأنها تعمل بشكل طبيعي ولا يوجد ما يضايقها”.
ويستطرد رئيس رابطة الفنادق، أن “المعاناة الأخرى لأصحاب الفنادق، هي الضرائب العالية من دائرة السياحة، فضلاً عن رسوم الكهرباء والماء، ما يرفع أسعارها، لذلك لجأ بعض أصحاب الفنادق إلى تحويلها لمشاريع أخرى نظراً لعدم الجدوى الاقتصادية منها، وما يؤكد ذلك هو عدم وجود فنادق حديثة، وإنما من يعمل هو القديم فقط، ويجري ترميمها بين فترة وأخرى”.
وتعد السياحة الدينية، من أبرز أنواع السياحة في العراق، وخاصة في النجف وكربلاء، حيث تضم المدينتين مراقد دينية مقدسة، ويقصدها ملايين الزائرين من المسلمين الشيعة من كل دول العالم وخاصة، من إيران، لكن هذه الزيارات المليونية، تنحصر بشهر واحد كل عام، وهو شهر محرم حسب التقويم الهجري، وفيه شهد واقعة الطف، حيث قتل الإمام الحسين وأخيه العباس وسبي أهل بيت الرسول.
وفي النجف، يوجد ضريح الإمام علي بن أبي طالب، ويقصده سنويا ملايين الزائرين، وصادف يوم أمس، ذكرى مقتله، وشهد الضريح توافد الزائرين من داخل العراق ومن إيران.
وتعرضت إيران منذ سنوات إلى عقوبات أمريكية، ادت إلى إنهيار عملتها المحلية أمام الدولار، فضلا عن فرض قيود على التعاملات المالية حالت أمام شراء المواطن الإيراني للدولار، ما أدى لهزة اقتصادية كبيرة داخل الجارة الشرقية، تركت آثارها على المستوى الاقتصادي بشكل عام على المواطن الإيراني.
من جانبه، يوضح أبو عمار (47 عاما)، أحد اصحاب الفنادق في محافظة النجف، أن “الفنادق كانت قبل هذه الفترة تعمل بصورة جديدة، وتكون ذات مورد إيجابي بسبب اقبال الزوار الايرانيين، وكانت عملتهم ذات قيمه جيدة مقابل الدولار وكذلك الدينار العراقي، مما يجعل الزائر يأتي لعدة مرات في السنة وقد تصل الى خمس مرات في السنة الواحدة”.
ويستطرد أبو عمار، خلال حديث لـه، أن “الفنادق تعتمد في عملها على الوافدين من الخارج، والسياحة الدينية بالدرجة الأساس، كذلك أنه كلما زاد عدد النزلاء في الفندق زاد عدد العمال في الفندق ولا يمكن تسريح جزء من الكادر، لأن الفندق يكون بحاجة إلى خدماتهم، لكي يقدم افضل خدمة للزبون الذي يقصد الفندق، وهنا يظهر دور المنافسة في إرضاء الزبون، من أجل العودة إلى الفندق مرة اخرى، في الزيارات القادمة”.
ويختم حديثه: “في الآونة الاخيرة تم تسريح عدد من الكوادر في الفنادق، بسبب قلة إقبال الزائرين وأصبح العمل موسمي فقط، حيث نعتمد على أيام الزيارات المليونية التي تكون مرة واحدة في السنة، لأن الفندق لا يستطيع تسديد نفقات العمال والكادر في الايام الاعتيادية، كما أن البعض من أصحاب الفنادق عملوا على تغيير الفنادق وتحولها إلى مراكز تجارية أو ما شابة ذلك”.
وكشف تقرير أصدره المركز العراقي الاقتصادي السياسي، مطلع العام الماضي، عن مدى تردي القطاع السياحي في العراق، مبينا أن الوضع السياحي بشكل عام والقطاع الفندقي على وجه الخصوص يشهد نسبة إشغال متدنية رغم التحسن النسبي عن العام الذي سبقه والنسب التشغيلية في بعض الفنادق لا توازي أجور ورواتب العاملين فيها، فيما أكد أن الأسباب تعود إلى إهمال الحكومات المتعاقبة وغياب الخطط الفعلية لزيادة نسبة السياح في العراق وفرض شروط شبه تعجيزية تمنع رعايا الكثير من الدول من الحصول على الفيزا وتراجع إشغال الفنادق عامةً وفنادق الخمس نجوم بشكل خاص.
وخلال العامين الأخيرين، شهد العراق توافد آلاف السائحين الأجانب، وقد نشطت هذه الحركة في العاصمة بغداد ومدينة أور في ذي قار والأهوار، التي باتت مقصد السائحين وصناع المحتوى من مختلف الجنسيات، وذلك بعد زيارة بابا الفاتيكان لزقورة أور، خلال زيارته التاريخية للعراق عام 2021.
إلى ذلك، يبين الخبير الاقتصادي ضياء محسن، خلال حديث لـه، أن “ربط السياحة الدينية بلون واحد بالنسبة للعراق، في العتبات المقدسة أو الاماكن والمراقد، غير صحيح، فهناك ألوان كثيرة في المجتمع، مثل المذهب السني، وهناك الديانة المسيحية ايضاً، لكن الأزمة في العراق، تكمن في أن وزارة السياحة والآثار، والتي تكون هي المعنية في القطاع السياحي مباشرةً، لا تعمل على ترويج هذه الاماكن السياحية”.
ويتابع محسن: “يجب التذكير بزيارة بابا الفاتيكان إلى العراق، والتي تعتبر من الزيارات المهمة والتاريخية في فتح آفاق السياحة، بالتالي يجب كان يجب استثمارها والذهاب باتجاه الدعوة إلى السياحة الديانة المسيحية”، موضحا أن “اعداد السياحة في العراق غير مرضية، وتعتبر قليلة جداً، نسبةً إلى المراقد والكنائس والمعالم التاريخية بشكل عام، كذلك أن نسبة السائحين في العراق تصل إلى 400 ألف زائر في العام الواحد، في وقت يصل تعداد العالم إلى نحو 7 مليار نسمة، وتشكل الديانة المسيحية النسبة الأكبر فيه”.
ويشدد الخبير الاقتصادي، على أن “العراق توجد فيه الكثير من المعالم والـماكن الدينية والتاريخية، ففي كل من البصرة والحلة والعمارة والناصرية، توجد مئات المواقع، ويجب على كل شخص أن يزور الأماكن التي تتبع ديانته أو الأماكن التاريخية بشكل عام”، مبينا أن “مثل هكذا زيارات تمثل إيرادات غير نفطيه للدولة، وعلى الاقل يمكن التخلص من الأعباء والإتكال على النفط في تمويل الموازنة”.
ويشكل محسن على: “من غير المقبول أنه في محافظة ذي قار، التي يوجد فيها قبر النبي إبراهيم الخليل، وهو أب لكل الديانات، لا يوجد فيها أكثر من 4 أو 5 فنادق، ولا يمكنها استيعاب أكثر من 1000 سائح، فهذه مشكلة حقيقية”.
“تعد مدينة النجف من المحافظات الدينية المهمة بوجود ضريح الإمام علي، وكذلك المرجعية العظمى والحوزة العلمية، وهذا جعل منها مدينة سياحية يقصدها نحو 45 مليون زائر من مختلف أنحاء العالم سنوياً، إلى جانب وجود أكبر مقبرة في العالم وهي مقبرة وادي السلام التي تشهد زيارات يومية بأعداد كثيرة”، هكذا يصف المتحدث باسم الحكومة المحلية في النجف، أحمد الفتلاوي، واقع المدينة.
ويتابع الفتلاوي، خلال حديث لـه، أن “حركة السياحة نشطة في محافظة النجف خاصة من قبل الجانب الإيراني، حيث يأتي الزوار بالملايين يومياً وكذلك من دول الخليج والدول الأوروبية”.
وما تزال المواقع الأثرية في العراق تشكل مركزاً رئيساً لاستقطاب السائحين المحليين والأجانب، إلا أنها تفتقر في الوقت ذاته إلى المقومات الخدمية من المرافق السياحية المحفزة والجاذبة، وواحدة من هذه الأماكن هي مدينة بابل الأثرية التي تشكل رمزية العراق الحضارية والتاريخية أمام العالم.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة