19 Jun
19Jun


ما تزال المواقع الأثرية في العراق تشكل مركزاً رئيساً لاستقطاب السائحين المحليين والأجانب، إلا أنها تفتقر في الوقت ذاته إلى المقومات الخدمية من المرافق السياحية المحفزة والجاذبة، وواحدة من هذه الأماكن هي مدينة بابل الأثرية التي تشكل رمزية العراق أمام العالم.

المدينة الأثرية تبعد عن العاصمة بغداد 80 كيلومتر جنوبا، وتقع على مساحة كلية تبلغ 16 كيلومترا مربعا، وبجوارها منتجع بابل السياحي وهو قصر رئيس النظام السابق صدام حسين، وفيما تستقبل المدينة سنويا آلاف السائحين من مختلف الجنسيات، إلا أن هذه المجاميع السياحية لا ترغب بالبقاء إلا لساعات معدودة فقط، بسبب افتقار المدينة للفنادق من الدرجة الأولى والمطاعم الجيدة، ما يدفع السائحين للتوجه إلى المحافظات القريبة مثل كربلاء أو النجف، أو العودة إلى بغداد.

انضمت مدينة بابل الأثرية إلى لائحة التراث العالمي عام 2019، فهي تجمع المواقع الأثرية للمدينة وبوابة عشتار وأسد بابل والجنائن المعلقة، وأصبحت محط اهتمام الدول ورصدت لها الحكومة الاتحادية مبالغ كبيرة سابقا لتطويرها، لكن لم يحدث أي تغيير على أرض الواقع، فيما تبقى الآمال معلقة على التخصيصات الواردة في موازنة العام الحالي.

وهنا يقول مسؤول إعلام ديوان محافظة بابل حيدر إبراهيم، إن "إدراج آثار بابل على لائحة اليونسكو العالمية زاد من الاهتمام العالمي بها، حيث ارتفعت أعداد السائحين بشكل كبير، ففي عام 2021 بلغ عدد السائحين المحليين 15 ألفا بمقابل ذلك سجلت المحافظة توافد 2000 سائح أجنبي، وهذه الأرقام تضاعفت في العام الماضي، لتصل أعداد السائحين المحليين إلى 25 ألف سائح، فيما بلغ أعداد السائحين الأجانب 4 آلاف سائح".

ويجد إبراهيم، أن "هذا الاهتمام وحب الاطلاع وزيارة الأماكن السياحية والأثرية لا يقابله أي اهتمام في الجوانب الخدمية التي كان من المفترض أن توفرها الحكومة الاتحادية، حيث لا نجد فنادق ذات خدمات تليق بالسائحين أو أماكن استراحة ومطاعم، وهذا يؤدي إلى مغادرة أغلب المجاميع السياحية للموقع بصورة سريعة، ويتجهون للمدن التي توفر الخدمات والراحة لهم".

وخلال العامين الأخيرين، شهد العراق توافد آلاف السائحين الأجانب، وقد نشطت هذه الحركة في العاصمة بغداد ومدينة أور في ذي قار والأهوار، التي باتت مقصد السائحين وصناع المحتوى من مختلف الجنسيات، وذلك بعد زيارة بابا الفاتيكان لزقورة أور، خلال زيارته التاريخية للعراق عام 2021.

بالمقابل، تعد آثار بابل، من أبرز المواقع الأثرية في العراق، ومن الآثار المعروفة دوليا، لاسيما بوابة عشتار التي تم نقلها إلى متحف برلين في ألمانيا منذ عقود طويلة، إلى جانب الجنائن المعلقة، التي تعد من عجائب الدنيا السبع.

يشار إلى أن مدينة بابل الأثرية، كانت المقصد الأول والرئيس للسياحة الداخلية، وقد نظمت لها سفرات مدرسية طيلة العقود الماضية، ومؤخرا بدأت بجذب السائحين الأجانب، ومنهم سائح صيني، صورها بطريقة بانورامية مميزة، وقد انتشر هذا المقطع في وسائل التواصل بشكل سريع.

إلى ذلك، يؤكد مصدر حكومي في محافظة بابل، أن "الحكومة الاتحادية رصدت عام 2019 مبلغا يصل إلى 250 مليار دينار لتطوير مدينة بابل سياحيا وآثاريا، بعد أن وقع الاختيار على أن تكون بابل عاصمة العراق الحضارية، إلا أن الظروف التي مرت بالبلد آنذاك أدت إلى أن تكون هذا المبالغ حبرا على ورق من دون أي تنفيذ".

ويتابع "مؤخرا تضمّنت الموازنة الاتحادية التي تم إقرارها من قبل البرلمان مبلغ 100 مليار دينار لتطوير مواقع آثار بابل جميعها، ولكن هناك مخاوف من أن تلتحق هذه التخصيصات برفيقتها من عام 2019".

وتضم مدينة بابل مدرجا ومسرحا، تقام عليه سنويا مهرجانات عديدة، وأبرزها مهرجان بابل الفني، والذي يستضيف فنانين عربا وفعاليات مسرحية وندوات، وخلال العام الماضي، أثير حول المهرجان لغط كبير، وجرت محاولات لمنعه بحجة أنه مناف للتقاليد، وأقدمت مجاميع على الصلاة أمام بوابة المسرح.

يذكر أن أحد قصور صدام حسين، شيد على تلة اصطناعية في مدينة بابل الأثرية، واستغرق تشييده 4 أعوام وعرف بقصر "بابل"، وهو مكون من 4 طوابق وغرف متعددة زخرفت سقوفها وجدرانها بنقوش تجسد أشجار النخيل والنجوم والأشكال الهندسية، ورسومات تمثل الحدائق المعلقة ومسلة حمورابي وبوابة عشتار، وكانت القوات الأميركية قد اتخذت القصر مقرا لها عام 2003 ليتحول بعد خروجها هو والحديقة المحيطة به إلى منتجع سياحي.

ووفقا لهيئة الآثار والتراث العامة، فأن بعض القصور "ضخمة جداً" وتحتاج عملية إعادة تأهيلها إلى موارد مالية طائلة، ما حال دون الاهتمام بها.

من جانبه، يوضح مدير مفتشية آثار بابل حسين العماري، أن "المحافظة تضم مواقع أثرية عدة هي بابل وبورسيبا وكوثا وسوق دانيال اليهودي، وهذه الأماكن ذات أهمية أثرية ومعرفية كبيرة، إلا أن موقع بابل سلطت عليه الأنظار كما أن مكانه يقع بجوار منتجع بابل السياحي".

ويتابع أن "أعداد السائحين الذي يصلون بابل تعادل أعداد سائحي المواقع الأثرية في أغلب المدن الأخرى، وأن هذه الأعداد الكبيرة تتطلب وضع خطة استراتيجية لاستثمارها، من خلال الاهتمام بالمرافق السياحية، فما موجود من خدمات في هذا الجانب لا يشكل نسبة 1 بالمئة تتيح للسائحين البقاء لمدة أطول في المدينة".

جدير بالذكر، أن السياحة في المدن الأثرية الأخرى مثل ذي قار، تعاني أيضا من قلة الخدمات والبنى التحتية، فلا توجد فنادق مميزة ولا مطاعم، ومؤخرا كشفت مصادر مطلعة ، عن توجه ناشط بيئي إلى إنشاء فندق على طراز بيوت الأهوار، المصنوع من القصب والبردي، وعلى نفقته الخاصة.

إلى ذلك، يبين حيدر العبودي، مدير شركة تفويج للسائحين الأجانب، أن "الإجراءات الإدارية الأمنية الخاصة بدخول السائحين إلى بابل والوصول للموقع الأثري مبسطة ولا يوجد فيها تعقيد، على عكس بقية المواقع الأخرى في المحافظات الجنوبية".

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة