أجبرت الظروف الحاجة أم حسين (73 عاما) وعائلتها العيش في منزل من الطين والصفيح في منطقة التجاوز الواقعة في بعقوبة مركز محافظة ديالى، حيث تعاني كغيرها من آلاف العراقيين من صعوبة الحصول على وحدة سكنية نظامية، ما أدى إلى اتساع رقعة العشوائيات في المحافظة، بسبب تفاقم أزمة السكن بالتزامن مع ارتفاع أسعار الوحدات السكنية لاسيما في المجمعات الاستثمارية.
تقول أم حسين، خلال حديث لـها، إنها أجرت أكثر من جولة في عدد من المجمعات السكنية بصحبة ولدها حسين التي تعيش معه، بأمل الحصول على منزل تقضي فيه ما تبقى من عمرها بعيدا عن لهيب الصفيح الذي يسقف منزلهم الحالي، ولا يقيهم من حر الصيف ومطر الشتاء، إلا أن "الأسعار التي طرحها أصحاب المجمعات تفوق عشرات المرات إمكانيتنا المادية"، كما تصف.
وهنا يضيف ابنها حسين (33 عاما)، بأنه عمل لأكثر من 12 عاماً بعقد في زراعة بعقوبة وتم تعيينه خلال العام الحالي، ما يتطلب الانتظار لـخمس سنوات أخرى ليشمل بقطعة أرض، وفقا للتعليمات المعمول بها، مؤكدا عدم إمكانيته لبنائها حتى وان حصل عليها، بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء.
ويعاني العراق نقصا حادا في قطاع السكن مع ارتفاع في أسعار مستلزمات المعيشة، لاسيما مع التقلبات في سعر صرف الدولار، الذي رفع أسعار الوحدات السكنية، فضلا عن عدم توفر الخدمات المطلوبة للأراضي السكنية الموزعة من قبل الحكومة التي تركن جانبا لعدة سنوات بانتظار أن يتم شمولها بالخدمات.
ولم تستطع غالبية الأسر التي تعاني من أزمة سكن في ديالى وبقية المحافظات، أن تشتري وحدة سكنية ضمن المجمعات التي أنشأت منذ العام 2010 وحتى اليوم، بسبب أسعارها المرتفعة التي لم يقو على تأمينها سوى ميسوري الحال، لتبقى أزمة السكن تتعمق، ما يضطر الأسر الفقيرة إلى السكن في العشوائيات.
20 ألف وحدة سكنية استثمارية يتم العمل على بنائها في ديالى، لكن هيئة الاستثمار في المحافظة، وبحسب مديرها العام، كريم ذياب، تراها "حلا جزئيا"، حيث يؤكد أن "المحافظة تحتاج إلى 300 ألف وحدة سكنية لتغطية الحاجة الفعلية لها".
وعن مشكلة تأرجح الأسعار التي أصبحت صفة غالبة على المشاريع السكنية الاستثمارية، يوضح ذياب، أن "وجود أكثر من مشروع سكني استثماري يعمل في المحافظة منح ميزة تنافسية بين الشركات المنفذة وأدت إلى التنوع في الأسعار، ما يمنح مرونة في الاختيار للمواطنين بما يتناسب ووضعهم الاقتصادي".
منح الأراضي إلى المستثمرين وفق قانون الاستثمار المعمول به في العراق بأسعار رمزية، لا بد من أن يلقي بظلاله على أسعار الوحدات السكنية، حيث يرى التدريسي في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة ديالى محمد المعاضيدي، "عدم تحقق الجدوى من كون هذه الوحدات أنشئت وفق الاستثمار، وان المستفيد الوحيد من مزايا الاستثمار هو المستثمر نفسه فيما لا يزال المواطن يدفع المبالغ ذاتها".
ويؤكد المعاضيدي، خلال حديث لـه، على أهمية "تشديد الرقابة على أسعار الوحدات السكنية إضافة إلى وضع معايير موحدة للمجمعات والفئات والمواصفات الأساسية والكمالية، من قبل السلطات الرقابية في ديالى، بما يؤمن توفير وحدات سكنية بأسعار معقولة".
وكان العراق أقر عام 2006 قانون الاستثمار بالرقم 13، ويتمثل في تأسيس الهيئة الوطنية للاستثمار، وتتفرع منها هيئات في جميع المحافظات العراقية، وتعنى بجلب الاستثمارات المحلية والدولية من أجل تحسين واقع البلاد الخدمي والبنى التحتية وخلق فرص عمل.
وأمام أكوام من الأنقاض والبنايات المهدمة، يتحسر عمر الخالصي (60 عاما) عندما يقول "سنوات طويلة انقضت من عمري وأنا احلم بالتخلص من عبء دفع الإيجار الشهري لمنزلي، فقد سجلت قبل أكثر من 10 سنوات في مجمع سكني أعلنت عن تنفيذه وزارة الإعمار والإسكان ضمن 3 مشاريع على هذه الشاكلة في مناطق الرازي والغالبية الواقعة في أطراف بعقوبة، إلا أن الحرب التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية حالت دون تنفيذ المشروع، ما شكل خيبة أمل كبيرة لي".
ويضيف الخالصي، انه انتقل إلى منزله الأخير في المجمع السكني الاستثماري من خلال الاستفادة من مبادرة البنك المركزي العراقي التي أطلقتها السلطات العراقية، حيث يتحتم عليه دفع مبلغ 500 ألف دينار شهريا، إلى المصرف وهو ما يقارب بدل الإيجار سابقا، "إلا أن ما يخفف معاناتي أن المنزل هو ملك لي حاليا"، كما يقول.
وعلى بقايا هياكل اسمنتية، تركت دعامات قذائف الحرب على تنظيم داعش آثارها بشكل واضح، هذا ما يمكن أن يشاهده كل من يمر من مجمع الرازي السكني، الذي كان من الممكن أن يضم 600 عائلة بعدد الشقق السكنية التي صممت به.
وفي هذا الشأن، يطالب قائممقام ديالى عبدالله الميالي وزارة الإعمار والإسكان بإعادة إحالته إلى شركة استثمارية، لاسيما وأن الشركة السابقة أنجزت 50 بالمئة منه، ما يسهم في توفير مسكن يمكن أن يسد حاجة عدد غير قليل من مواطني المحافظة.
وكانت وزارة التخطيط، توقعت ارتفاع عدد السكان في العراق إلى 42 مليون نسمة بحلول نهاية العام الماضي، فيما أشارت إلى أن العراق لم يصل مرحلة الانفجار السكاني وأن نسبة النمو السكاني تقدر بـ2.6 بالمئة.
يشار إلى أن مجلس الوزراء، قرر توزيع 500 ألف قطعة أرض سكنية للمواطنين، بعد تشكيل الحكومة مباشرة، كما قرر أيضا تحويل جنس الأراضي الزراعية إلى سكنية، وخاصة الأراضي التي شيدت عليها مبانٍ وأصبحت بأمر الواقع مناطق سكنية.