دفعت قلة المكتبات في الأنبار الكثير من أبناء المدينة إلى عناء السفر نحو العاصمة بغداد من أجل توفير احتياجاتهم ومصادرهم الأدبية أو الدراسية، رغم أن المحافظة تضم أسماء بارزة في حقول الأدب والتخصصات العليمة، إلا أنها تكاد تخلو من المكتبات لأسباب مختلفة منها غياب الاهتمام الحكومي بالجانب الثقافي وتحولات التكنولوجيا.
ويقول الأكاديمي وصاحب مكتبة “المثقف” في محافظة الأنبار، مجيد الآلوسي، خلال حديث لـه، إن “أهم الأسباب التي أدت إلى تناقص عدد المكتبات الأدبية في المدينة هو غياب الدعم الحكومي على المستويات كافة، لذلك الكثير من المكتبات أغلقت أبوابها بسبب غلاء الإيجارات التي تفوق الدخل الشهري لإيرادات المكتبة”.
ويضيف “لا يوجد اهتمام بالكتاب في محافظة الأنبار، حيث ليست هناك معارض للكتب أو مسابقات للقراءة على مستوى المراحل الدراسية المختلفة، إلى جانب غياب التعاون مع منظمات المجتمع المدني لتشجيع الأشخاص على القراءة”.
ويوضح الآلوسي، أن “تراجع عدد المكتبات في الأنبار يمكن أن يؤدي إلى انخفاض مستوى الوعي والثقافة الذي سيؤثر على الفرد بتقليل فرص الوصول إلى المعرفة والمصادر التعليمية، وقد يؤثر على قدرة الأفراد على تطوير مهاراتهم وتعلم الأشياء الجديدة، مما يؤثر سلبا على فرصهم في التقدم والنجاح في الحياة”.
يشار إلى أنه منذ انتشار الإنترنت في العراق بعد العام 2003 بدأت أسواق الكتب الورقية والمكتبات بالانحسار تدريجيا لتدخل مرحلة شبه الاندثار بعد ظهور تطبيقات التواصل الاجتماعي، ما اضطر بعض المناطق والمحافظات إلى مواجهة هذا المد الإلكتروني الذي أدى إلى انحسار الإقبال على الكتب، إلى فعاليات ومنتديات تعيد للكتاب الورقي قيمته.
من جانبه، يشير الناشط المدني زيد الدليمي، خلال حديث له، إلى أن “المكتبات الأدبية توفر مساحة ثقافية وتعليمية مهمة للمجتمع لأنها تساعد في تعزيز قراءة الأدب والتواصل الثقافي بين الأفراد، وهي فرصة للاطلاع على ثقافات وأفكار متنوعة وتشجع على التفكير النقدي والإبداع”.
ويبين أن “أسباب قلة المكتبات الأدبية في الأنبار متعددة، منها الظروف الاقتصادية التي أثرت على الاستثمار في المكتبات وتوفير الموارد اللازمة لتشغيلها وصيانتها، بالإضافة إلى التحديات الأمنية والسياسية التي قد تؤثر على البنية التحتية والخدمات الثقافية”.
ويكمل الدليمي، أن “هناك عوامل ثقافية تؤثر على قلة المكتبات الأدبية في الأنبار، مثل قلة الوعي بأهمية القراءة والثقافة، وتفضيل بعض الأفراد للاستخدامات الأخرى للوقت أو الاهتمام بأنشطة غير ثقافية”.
ويردف “التحولات التكنولوجية إحدى العوامل التي أسهمت في تراجع عدد المكتبات، حيث يفضل بعض الأشخاص الوصول إلى المعرفة والمعلومات عبر الإنترنت بدلاً من زيارة المكتبات الفعلية”.
وعلى الرغم من أن محافظة الأنبار تعد من المدن التاريخية في العراق والذي يعود إلى أكثر من ألفي، إلا أن الواقع الثقافي الذي تعيشه مغاير لإرثها التاريخي، إذ ليس هناك أي مظاهر للعلم والمعرفة والثقافة بسبب عدم وجود أماكن مخصصة للنشاطات الثقافية والفنية
إلى ذلك، يشرح صاحب مكتبة “الهجرة” المتخصصة بالكتب الدينية، محمد نوفل، خلال حديث لـه، أن “القراءة بذرة يجب أن تغرس في الفرد منذ صغره والأسرة هي المسؤول الأول عن ذلك، وأحد أسباب قلة المكتبات في الأنبار عدم وجود الثقافة الكافية بمدى أهمية الكتاب من قبل المنظومات المجتمعية أجمع كالأسرة والمدرسة والمنظمات المدنية”.
ويتابع “الأنبار كانت تضم أكثر من سبع مكتبات أدبية متنوعة ولكن بسبب الظروف الاقتصادية وارتفاع الإيجارات أغلقت كلها لم يتبق إلا اثنين منها”.
ويؤكد نوفل، أن “قلة عدد المكتبات سيؤدي إلى ضياع جزء من التراث الثقافي المحلي، حيث يمكن أن تكون المكتبات محتفظة بالموارد التاريخية والثقافية المهمة للمجتمع وفي إغلاقها كل ذلك سيندثر ويهمل”.
وبحسب تصريحات صحفية، لمحافظ الأنبارالسابق علي فرحان الدليمي، فإن مكتبة الرمادي المركزية ستكون أبرز الصروح العلمية والثقافية في المحافظة حين يتم إكمال عمليات إعادة إعمارها.
وفي السياق، يشرح نقيب الصحفيين في الأنبار، أحمد الراشد، خلال حديث له ، أن “المكتبة المركزية في الأنبار كان من المفترض أن تفتتح في شهر آيار مايو الجاري ولكن قلة التخصيصات المالية حالت دون ذلك”.
ويشدد على أن “بناية المكتبة المركزية سوف تضم نقابة الصحفيين والبيت الثقافي ونقابة الفنانين لأن كل هذه الجهات بلا مقار رئيسية وتتواجد في أماكن مؤجرة من قبل المحافظة”.
وتعرضت المكتبة المركزية في الأنبار إلى التدمير جراء العمليات العسكرية التي شهدتها المدينة إبان سيطرة تنظيم داعش عليها، وتجري في الوقت الحالي عمليات إعادة بنائها وفق أطر هندسية ومعمارية متطورة، وتتألف من خمسة طوابق مجهزة باحدث التقنيات الحديثة.
وتسبب تنظيم داعش بحرق أكثر من 100 ألف كتاب من المكتبات الثقافية في محافظة الأنبار أغلبها تصنف ضمن الكتب النادرة والمهمة.