استراتيجية تلو الأخرى، يقرها مجلس الوزراء، دون أن تكون لها أسس حقيقية وواضحة، لتتحول في النهاية إلى "وهمية وورقية"، بحسب مراقبين.
ويقول المحلل السياسي محمد نعناع، خلال حديث لـه إن "الاستراتيجيات التي تطلقها الحكومة، تعد وهمية وتجميلية، فالحكومة تفتقد للاستقرار الاستراتيجي الحقيقي، أي بمعنى أنه ليس لديها انتاج حقيقي، لذا تلجأ لهذه الاستراتيجيات".
وكان مجلس الوزراء، صوت يوم أمس، على توصية المجلس المجلس الوزاري للتنمية البشرية، التي تضمنت إقرار الستراتيجية الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر في العراق للأعوام (2023- 2026) والخطة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر لعام 2023.
ويضيف نعناع، أن "الاستراتيجيات تتطلب ثلاثة عوامل أساسية، أولها السند التشريعي أو القانوني، والحكومة الحالية أقدمت على اتخاذ الكثير من القرارات التي تتعارض مع الدستور، حسب إحصاء يجري العمل عليه وسيطلق قريبا".
ويتابع أن "العامل الثاني، هو أن تكون هناك تخصيصات حقيقية على أرض الواقع لهذه الاستراتيجيات أو تضمن في قانون الموازنة"، مبينا أن "العامل الثالث هو أن يكون لها أماكن تنفيذ أو تحديد الجهة القطاعية لها مثلا وزارة أو محافظة أو مقار".
ويلفت إلى أن "الاستراتيجيات التي أقرت تفتقر لهذه العوامل الثلاثة، وبالتالي فإنها تعتبر وهمية واستقطابية"، موضحا أن "كل حكومة في العراق تطلق استراتيجيات، لكنها لم تنفذ، ففي حكومة عادل عبدالمهدي مثلا، أطلقت الخطة الخمسية، لكن جرى فيها الكثير من ترحيل المشاريع ولم تنفذ".
ويوضح أن "هناك مشاريع عديدة تم ترحيلها من الحكومات السابقة، وجرى تغيير أسمائها فقط، فمثلا مشروع داري، تم ترحيله من حكومة عادل عبدالمهدي إلى حكومة مصطفى الكاظمي، الذي لم ينفذه أيضا، وغيرت حكومة محمد شياع السوداني تسميته الآن إلى: توزيع 500 ألف قطعة أرض سكنية، لكن رغم ذلك، لم يتم تحديد سقف زمني لتنفيذ المشروع، كما هو حال مشاريع عديدة أخرى".
وأطلقت الحكومة الحالية، منذ تشكيلها قبل عام ولغاية الآن، تسع استراتيجيات ومبادرات،وتوزعت بمجالات مختلفة، منها الاستراتيجية الوطنية للمرأة العراقية (2023- 2030)، مبادرة كبرى للتشجير، تشمل زراعة 5 ملايين شجرة ونخلة في عموم محافظات العراق، الاستراتيجيةِ الوطنية للتربية والتعليم (2022-2031)، إطلاق الوثيقة الوطنية المحدّثة للسياسة السكانية في العراق والاستراتيجية الوطنية للوقاية من الانتحار (2023 – 2030).
يذكر أن تقارير تناولت في تقرير سابق، إطلاق الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الانتحار، عن عدم معرفة الكوادر المتقدمة في الوزارات المعنية، ومنها الصحة والداخلية والتخطيط، بتفاصيل الاستراتيجية، وماذا تتضمن، ولم يتم التحدث بها أيضا في مجالس الرأي داخل تلك الوزارات، خاصة وأن هذا النوع من الاستراتيجيات تخضع لمناقشات كثيرة وتأخذ وقتا قبل إقرارها.
إلى ذلك، يبين المحلل السياسي فلاح المشعل، خلال حديث لـه أن "الاستراتيجيات تكون بعيدة المدى وليست سنوية أو شهرية، وفيها جنبة اجتماعية واقتصادية كبيرة، لكن السؤال المهم حول ما يطلق من استراتيجيات هو من سيقوم بتنفيذها ويؤسس لها، فالاطلاق يجب أن يسبقه مرحلة تأسيس".
ويوضح المشعل، أن "الحكومة مثلا لو اطلقت استراتيجية لمكافحة المخدرات، فيجب أن تبني أولا مستشفيات وتوفر كوادر متخصصة وتغلق منافذ دخول المخدرات، فالاستراتيجية تعني العمل بأكثر من ميدان وتسبقها تخصيصات وخطط وتحديد ما سينجز خلال كل عامين منها، فالاستراتيجية لا تطلق بشكل مباشر".
ويؤكد أن "هذه الاستراتيجيات التي تطلقها الحكومة هي طموحة، لكن الخلل بادوات التنفيذ، فالكابينة الوزارية تعاني من الفساد والوزارات تفتقر للكفاءات، وليس كل طموح بالضرورة أن يجد حيز تطبيق"، مبينا أن "العراق حصلت فيه أحداث كثيرة وصادمة ولم تصل اللجان التحقيقية إلى نتائج وأن وصلت في بعضها لم يتم اتخاذ إجراءات، مثل جريمة سبايكر أو سرقة القرن، وهذه الأمثلة تستدعي أن تقف الحكومة على قدم واحدة لحلها لكن جر تسويفها، بالتالي فأن الاستراتيجيات تحتاج أدوات ناجحة، مثل الكفاءة والنزاهة والإدارة الناجحة، ونحن نعاني من تخلف إداري كبير".
يذكر أن العديد من الخطط والاستراتيجيات، أطلقت طيلة السنوات الماضية، من مختلف الحكومات المتعاقبة، لكن جميعها لم ينفذ، وخاصة المتعلقة بالاقتصاد وتطوير البنى التحتية، فالعراق لغاية الآن ما زال يعاني من نقص في الأبنية المدرسية، وبعدد ثمانية آلاف مدرسة، وهذا بإقرار رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، فضلا عن كونه الدول الخامسة الأكثر تضررا من التغير المناخي، دون وجود حلول، رغم أن السوداني أطلق استراتيجية خاصة بالتغير المناخي.
من جانبه، يصف المحلل السياسي، محمد علي الحكيم، خلال حديث لـه، الاستراتيجيات التي تطلقها الحكومة بـ"المشاريع الورقية التي تأتي لإلهاء الشارع وللاستهلاك الإعلامي لا أكثر، وحكومة السوداني تجاوزت أغلب الحكومات السابقة بإطلاق الاستراتيجيات والمشاريع والوعود الفضفاضة وأغلبها بقيت حبراً على ورق ومشاريع متلكئة".
ويضيف الحكيم، أن "الاستراتيجيات طويلة أو متوسطة الأمد غالبا ما تتلكأ، لأنها تحتاج إلى عمل متواصل ضمن ولايات حكومات متعاقبة، لكن كل حكومة جديدة ترمي التقصير على سابقتها، وتبدأ بمشاريع واستراتيجيات جديدة ووعود فضفاضة أخرى".
ويجمل المحلل السياسي، مجموعة أسباب لعدم تنفيذ الاستراتيجيات، منها "تقديم المصالح الشخصية والحزبية للقوى والأحزاب السياسية على المصلحة العامة، وعدم وجود رقابة حقيقة، والفساد المستشري في البلاد وبالتحديد من قبل القوى السياسية"، لافتا إلى أن "العمل الحكومي يفتقر للخطط الاستراتيجية الحقيقية وعدم وجود مختصين في إدارة المشاريع، وتنافس القوى السياسية والحزبية الذي يساهم بعدم إنجاح المشاريع، إن كانت ستكتب باسم شخص أو حزب معين".
وكانت وزارة التخطيط، أعلنت العام الماضي، عن انتهاء الخطة الخمسية 2018- 2022، دون أن تتحقق، حيث أكدت في حينها، أن الظروف التي مر بها العراق بعد 2020 بسبب جائحة كورونا، والأزمة المالية أخرجت الخطة الخمسية عن بعض مساراتها.