لم يعد مرض التوحد أمرا جديدا على الواقع البشري، فمنذ عقود من الزمن بدأ بالانتشار تدريجيا في العديد من دول العالم، وتحول إلى واقع حال كغيره من الأمراض الأخرى البدنية والنفسية، ومع ما يرافق المصابين به من عقبات في علاجه ومضايقات من قبل بعض أفراد المجتمع، هناك أيضا مشكلة تواجه المراكز العلاجية والجهات المختصة تتعلق بالإحصائيات الدقيقة لأعداد الذين يعانون من هذا المرض.
وبالإضافة إلى ذلك، تواجه عوائل الأطفال المصابين بمرض التوحد مشاكل متعددة أبرزها كيفية مواجهة أبنائهم وبناتهم للمجتمع والمتنمرين، وكذلك قلة المراكز التخصصية، إلى جانب امتناع العديد من العوائل عن إرسال أطفالهم لهذه المراكز، بل تذهب بعضها إلى فرض حجر على الطفل المصاب خشية عليه من التنمر، وهو ما يفاقم المشكلة أكثر.
ويقول مدير مركز ذي قار لتأهيل المصابين باضطرابات التوحد، نعمة جلود التميمي، خلال حديث لـه، إن “الإصابة بهذا المرض تنتج عن عوامل بيئية وأخرى وراثية كالجينات، فالطفل الذي يولد ناقص وزن أو لأبويين كبيرين في السن سيواجه مشاكل صحية خطيرة ويكون مهيئا للإصابة بالتوحد”.
ويضيف “أما بالنسبة للعوامل البيئية، فتعد التكنولوجيا الحديثة في مقدمتها حيث أن مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت باتت سببا رئيسيا للإصابة بالتوحد، لكونها تعمل عزل الطفل عن التفاعل مع الجمهور وبالتالي فقدانه لمهارات التواصل”.
ويشير التميمي إلى أن “الأطفال المصابين بالتوحد المسجلين لدى المركز منذ افتتاحه في العام 2014 وحتى الآن بلغ 2460 حالة، لكن هذا الرقم ليس حقيقيا فهناك أعداد مسجلة في المراكز والمؤسسات الأهلية الأخرى كما أن هناك أطفالا غير مسجلين”.
ويلفت إلى أن “التقديرات العالمية تشير 2 من كل 100 طفل يصابون بالتوحد، وبحسب التقديرات فهناك نحو عشرة آلاف إصابة بالتوحد في ذي قار، وكما ذكرنا فإن بعض العوائل تلجأ إلى العيادات الخاصة لعلاج أطفالهم خشية إساءة المجتمع إليهم، في حين أن الطفل المصاب بالتوحد يحتاج إلى رعاية خاصة”.
وتعد ذي قار واحدة من المحافظات التي لا تمتلك رقما دقيقا لأعداد المصابين بمرض التوحد، وعلى الرغم من وجود مراكز أهلية مخصصة للمصابين بهذا المرض، إلى جانب فرق تطوعية أخذت على عاتقها التخفيف من كاهل العوائل التي لديها أطفال متوحدون، لكن تفتقر المدارس الحكومية والأهلية في المحافظة إلى وجود صفوف دراسية متكاملة للمصابين بالتوحد، ما يؤدي إلى تختلف العديد منهم عن الدراسة، أو انخراطهم في الدراسة وسط بيئة تنظر إليهم بشكل مختلف يؤدي إلى تفاقم حالتهم النفسية.
وبهذا الصدد، يوضح رئيس منظمة التواصل والإخاء الإنسانية، علي الناشي، خلال حديث لـه، أن “مرض التوحد يتطلب جهودا متكاتفة بين الوزارات للحد من انتشاره، خصوصا وأن أحد أسباب تفشي المرض هو الأوبئة وأيضا الإفراط باستخدام الأجهزة الحديثة والتواصل الاجتماعي”.
ويتابع “ووفقا للأرقام المعلنة والنسب العلمية فإن كل أربعة أطفال ذكور مصابين بالتوحد تقابلهم أنثى واحدة، وهناك إصابات بالمئات في المناطق النائية ولا يعلم عنها أحد وهذا يتطلب كشفا ميدانيا من قبل فرق متخصصة كي لا يكون هناك عائق في المستقبل أمام احتواء هؤلاء الأطفال”.
وسبق لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية CDCK، وأن حدد سبعة مناهج لعلاج مرضى التوحد، وهي: السلوكية، والتنموية، والتعليمية، والدوائية، والنفسية، والعلاقات الاجتماعية، والتكميلية، وجميعها ذات تأثير كبير في تحسين أداء الأطفال.
بدوره يلفت هاني طالب، طبيب أسنان متطوع لخدمة مرضى التوحد، خلال حديث لـه، إلى أنه تمكن من “تشكيل فريق شبابي من المتطوعين يعملون لمعالجة مرضى التوحد، حيث أستغل يومين من كل أسبوع لجمع الأطفال من مناطق قضاء سوق الشيوخ جنوب الناصرية لتدريبهم وتعليمهم مستغلاً إحدى القاعات الموجودة في المدينة”.
ويؤكد “بدأت الأعداد بالتزايد في الفريق من 10 أطفال إلى 15 طفلاً وحالياً لدينا 35 طفلاً مصاباً بالتوحد، وقد استطعنا فعليا علاج العديد منهم حيث أظهروا استجابة فعلية، لكن مع ذلك الأمر يتطلب جهدا مشتركا من قبل الأهالي والمؤسسات الصحية”.
وكان الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط، قد أعلن أن عدد الطلبة في صفوف التربية الخاصة للعام الدراسي 2019 – 2020 بلغ 769 طالبا، بينهم معاقين فيزيائيا وبصريا وسمعيا وذهنيا، أو من بطيئيّ التعلم أو لديهم حالات نفسية خاصة.
من جهته، يشير نقيب معلميّ ذي قار حسن السعيدي، خلال حديث لـه، إلى أنه “ليس هناك اهتمام بصفوف التربية الخاصة في المدارس، وما من تركيز على هذه الشريحة، فحاليا لدينا صفا واحدا لمرضى التوحد وضعيفيّ السمع والبصر، أو المتخلفين ذهنيا، وهذا غير ممكن فلكل مريض اهتمام خاص”.
ويتابع “بالإضافة إلى ذلك تواجدهم في المدارس الاعتيادية ليس صحيا لهم، فهم بحاجة إلى اهتمام خاص ومعلمين ومدرسين خضعوا لتدريب خاص ولديهم الإمكانية على التعامل مع احتياجات هؤلاء الأطفال”.
يشار إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة قررت في 26 آذار مارس 2007، اعتبار الثاني من شهر نيسان أبريل من كل عام، يوما عالميا للتوعية بمرض التوحد؛ وذلك إيمانا منها بضرورة مساعدة الأطفال والبالغين الذين يعانون من اضطرابات التوحد، ومساعدتهم على تحسين جودة حياتهم.