إعلان إسرائيل مقتل جنديين لها بنيران الفصائل العراقية، أثار أسئلة حول محاولة جر العراق إلى الحرب وتوجيه ضربات مباشرة له، كما فعلت مع اليمن، إذ رأى مراقبون أن الفصائل دخلت فعليا في أتون الحرب، لكن الرد الإسرائيلي مؤجل حتى الآن بقرار أمريكي، في وقت تحدث مقرب من الفصائل عن “مخطط غربي” لتدمير “محور المقاومة”، لافتا إلى أن الضربات التي توجهها الفصائل العراقية هي “رسائل” تحذيرية، لأنها تعلم أن الضربة الإسرائيلية “قادمة لا محالة”.
ويقول المحلل السياسي المقيم في واشنطن نزار حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “العدّ التنازلي للضربات الصهيونية على العراق بدأ للأسف، فقد نجحت اليد الخفية التي بذلت قصارى جهدها لجر العراق إلى هذا التصعيد، وبات العراق الآن في قلب العاصفة شاءت الدولة أم لم تشأ”.ويضيف حيدر، أن “نتنياهو منذ أن رفع الخارطة السوداء لما أسماه بمحور الشر في خطابه في الأمم المتحدة وقد ظهر فيها العراق، وهو يتحين الفرصة تلو الأخرى ليشمله التصعيد، ولقد جاءت الفرصة اليوم بإعلانه عن مقتل جنديين وجرح آخرين جراء مسيرات جاءت من العراق”.
وأعلن الجيش الإسرائيلي، أمس الجمعة، مقتل جنديين اثنين وإصابة 24 في أعنف هجوم تشنه الفصائل العراقية منذ نحو عام، وكشف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أن الجنديين القتيلين هما من “لواء جولاني/ الكتيبة الثالثة عشر”، لافتا إلى أن “طائرة بدون طيار انفجرت في قاعدة عسكرية شمال الجولان، أطلقت من العراق”.
ويعد هذا الهجوم هو الأعنف من إجمالي أكثر من 180 هجوما تبنته الفصائل المسلحة العراقية على إسرائيل، منذ شهر تشرين الثاني نوفمبر من العام الماضي.لكن حيدر، يشير إلى أن “هذه العملية يشكك فيها كثيرون ويعتبرونها استدراجا للعراق من خلال التساؤل عن سر إعلان إسرائيل عن تفاصيل العملية ونتائجها الآن تحديدا على الرغم من أن الفصائل المسلحة ظلت توجه صواريخها وطائراتها المسيرة ضد الكيان الصهيوني طوال العام الماضي، فلماذا اليوم تحديدا أصابت أهدافها، ولماذا هذه المرة تحديدا وفي هذا الوقت بالذات تعلن تل أبيب عن تفاصيلها وبالصور والأسماء”، لافتا إلى أنها “تشبه تلك العملية الوحيدة التي تذرعت بها إسرائيل لتبدأ عمليات القصف ضد اليمن وبشكل مستمر”.
ويحذر من أن “سعي الفصائل المسلحة لجر العراق إلى مشروعها ورميه في أتون حرب التصعيد وهذه مخالفة دستورية وقانونية”، لافتا إلى أن “النص الدستوري حمل مجلس النواب فقط مسؤولية قرار إعلان الحرب بأغلبية الثلثين وباقتراح مشترك من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء”.
ويرى المحلل السياسي، أن “الحكومة ضعيفة والقائد العام عاجز عن حماية الدستور وحصر السلاح بيد الدولة، ولذلك فإذا ما جُرَّ العراق للتصعيد الحالي فإن راعي الحكومة وهو الإطار التنسيقي سيتحمل المسؤولية كاملة لفشله في إقناع الفصائل المسلحة بوجوب التهدئة، لحماية الأمن القومي والمصالح القومية للبلاد”.وأعلنت “المقاومة الإسلامية” في العراق، أمس، مهاجمة ثلاثة أهداف في طبريا والجولان المحتل، بواسطة الطائرات المسيّرة.ومنذ أشهر، تشن فصائل عراقية هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل إسنادا للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، لكن التصعيد بدأ يشتد منذ دخول حزب الله اللبناني في القصف المتبادل مع إسرائيل حتى بلغ التصعيد ذروته باغتيال أمين عام الحزب اللبناني حسن نصر الله، إثر غارة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت الأسبوع الماضي.من جهته، يعتقد الخبير الأمني علاء النشوع، خلال حديث”، أن “العراق دخل فعليا في الحرب، ولا يحتاج إلى إعلان ذلك، فالقيام بعمل عسكري ضد إسرائيل يعتبر إعلان حرب، والجهة التي أطلقت المسيرات والصواريخ هي التي دخلت أتون الحرب، بعيدا عن الحكومة العراقية وأجهزتها ومؤسساتها المتمثلة برئاسة الجمهورية ورئيس الوزراء بصفته القائد العام للقوات المسلحة وبيده القرار الفعلي والدستوري في إعلان الحرب ومواجهة الأخطار بعد مشاورة مجلس النواب الذي يعتبر الجهة التشريعية”.
ويذهب إلى أن “القضية أصبحت محرجة جدا للحكومة التي أدانت الهجوم الإسرائيلي على لبنان وأكدت على دعم الشعب اللبناني في محنته، ولكن لم يكن في بياناتها أي إشارة إلى مصطلح عسكري أو مدني يجعل العراق في حالة الحرب مع إسرائيل، أما المرجعية الدينية في العراق، فكانت قد اكتفت بتقديم المعونات إلى الشعب اللبناني ومساندته معنويا دون الإشارة إلى أي فتوى جهادية ضد إسرائيل”.ويذهب النشوع، إلى أن “القرار باتخاذ الضربة ضد الاحتلال الإسرائيلي هو قرار خارجي، فالفصائل الموجودة على الأرض العراقية تخضع إلى الأجندة الإيرانية، وإيران دخلت في صراع مباشر مع إسرائيل بعد أن قامت بضربها بمئات الصواريخ الباليستية التي تعتبر في المنظور العسكري ضربة غير مجدية من ناحية مستويات الردع التقليدية”.
ويؤكد، أن “الحكومة العراقية، لا تستطيع أن تتخذ أي قرار للحرب فهي تدرك حجم الكارثة التي ستحل بالعراق وقوته العسكرية والاقتصادية، إذ ستكون كل المنشآت المدنية والعسكرية والاقتصادية في مرمى سلاح الجو الإسرائيلي وسيصول ويجول في أجوائنا بحرية تامة”.وعن توقعاته بتوجيه ضربة للعراق، يذكر أن “ضربة أهداف داخل العراق من قبل إسرائيل تأجلت بقرار أمريكي، فالولايات المتحدة لا تسمح الآن بأي عمل عسكري بسبب مصالحها، فالضربات ومحاسبة الفصائل في هذا الوقت يكون عبثا في المنطقة كلها”، لافتا إلى أن “أمريكا ستعطي الضوء الأخضر لإسرائيل في التوقيت والمكان المناسبين بعد وضع إجراءات مناسبة لضمان عدم توسيع رقعة الحرب وعدم إعطاء الفرصة للفصائل باستغلال أي وضع قد يحدث فوضى لا يمكن السيطرة عليها”.
ونقلت وسائل إعلام عن مسؤول بارز في مكتب السوداني، اليوم السبت، أن الحكومة العراقية “تتحرك وبسرعة عالية بهدف تفادي تداعيات الحرب وإبعاد البلاد عن تبعاتها الخطيرة”، لافتة إلى أن هذه الجهود تتضمن الحديث مع حلفاء العراق الغربيين المؤثرين في الأحداث، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، بهدف إقناعهم بموقف العراق البعيد عن الحرب، وتاليا قيامهم بالضغط على إسرائيل في حال فكرت باستهداف العراق.وكان القيادي في كتائب سيد الشهداء عباس الزيدي، أبلغ ”العالم الجديد”، أمس الأول، إن “فصائل المقاومة في العراق لن تبقى مكتوفة الأيدي في حال دخلت إيران في حرب مباشرة أو غير مباشرة مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، فالفصائل ستكون جزءا من هذه الحرب بما لا يقبل الشك”.
وعقب هجوم إيراني بمئات الصواريخ على إسرائيل ردا على اغتيال نصر الله، هددت “المقاومة العراقية”، باستهداف القواعد الأمريكية في حال تدخلت أمريكا ضد إيران أو استخدم “العدو الصهيوني” أجواء العراق لقصفها.إلى ذلك، يشير المحلل السياسي المقرب من الفصائل المسلحة علي فضل الله، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك مشروعا غربيا في المنطقة، وهذا أصبح شيئا مؤكدا، والمشروع قائم على استخدام القوة المتوحشة لتدمير البنى التحتية لكثير من الدول خصوصا تلك التي تدعم محور المقاومة”.
ويضيف فضل الله، أن “الضربات التي توجه بين الحين والآخر من قبل فصائل المقاومة الإسلامية العراقية، لأنها تدرك في حساباتها أن ضربة صهيونية أو من حلف الناتو تجاه العراق قادمة لا محالة، سواء شاء العراق أم أبى، لأن هناك مخططا كبيرا يستهدف المنطقة، لذلك فصائل المقاومة تريد أن ترسل رسائل إلى الجانب الإسرائيلي أنه في حال تفكيره الدخول إلى العراق فإنه سيلقى مقاومة شديدة من قبل الفصائل”.
وعن التواصل مع الحكومة العراقية في اتخاذ قرارات الحرب، يشير إلى أن “التنسيق بين الحكومة العراقية والفصائل عال، والفصائل أعطت فسحة للحكومة العراقية لقيادة المرحلة عبر الجهد الدبلوماسي، لكن المؤسف أن الجانبين الأمريكي والإسرائيلي لم يحترما الدبلوماسية ولم يعترفا إلا بمنطق القوة، وكنا نتمنى إبعاد العراق عن ساحة الأزمة لكن واضح أن هناك مخططا كبيرا من حلف الناتو يضع إسرائيل واجهة لتدمير البنى التحتية لمحور المقاومة وهذا ما شاهدنا بدءا بفلسطين ثم لبنان وقد يكون القادم سوريا”.
وكانت صحيفة الشرق الأوسط نقلت، الثلاثاء الماضي، عن مصادر مطلعة، تحديد تل أبيب 35 هدفا داخل العراق يمكن ضربها في أي لحظة، وتشمل استهداف قيادات سياسية بارزة وزعماء فصائل على غرار ما حدث في لبنان، مشيرة في الوقت ذاته، إلى طلب رئيس الوزراء محمد السوداني من شخصيات شيعية بارزة التوسط لكبح جماح الفصائل وعدم زج العراق في الحرب بين لبنان وإسرائيل.