في زلزال سياسي من العيار الثقيل، وسابقة هي الأولى من نوعها، أطاحت المحكمة الاتحادية يوم أمس الثلاثاء، بأحد أركان الرئاسات الثلاث في البلاد، عبر إثبات تهمة التزوير بحق رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، في خطوة قد تترك تداعيات على المشهد السياسي، تزامنا مع استعدادات الكتل لإجراء الانتخابات المحلية، المتوقفة منذ عام 2013، كما رأى مراقبون.
يسود في الظل، تنافس شرس بين القوى السنية لتصدر المشهد، وخلافة الحلبوسي على مقعد "الزعامة" الشاغر، ما قد ينذر بتغيير في خارطة التحالفات السياسية أيضا.
ويقول المحلل السياسي أحمد الشريفي، خلال حديث لـه إن "قرار المحكمة الاتحادية العليا بشأن إنهاء عضوية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ممكن أن يخلق أزمة سياسية جديدة في العراق، خصوصاً في ظل التنافس السني السني على تصدر المشهد".
ويضيف الشريفي، "بما لا يقبل الشك فإن خروج الحلبوسي من رئاسة مجلس النواب، سيكون له تأثير سياسي على انتخابات مجالس المحافظات، والانتخابات النيابية المقبلة أيضا، سواء حصلت بشكل مبكر أو بتوقيتاتها الدستورية".
ويؤكد أن "قرار المحكمة الاتحادية العليا، يمكن أن يصل تأثيره إلى شكل التحالفات السياسية سواء الحالية أو التحالفات الانتخابية، ونعتقد أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد تغيير ببعض المواقف من قبل النواب والقوى السياسية السنية، المتحالفة منها مع الحلبوسي أو غيرها".
وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا، يوم أمس الثلاثاء، قرارها بالدعوى التي رفعها أمامها النائب السابق ليث الدليمي، وجاء فيه نص القرار: نظرت المحكمة الاتحادية العليا يوم الثلاثاء 14\11\2023 الدعوى بالعدد 9/اتحادية/ 2023، وقررت بموجب الحكم الصادر فيها انهاء عضوية رئيس مجلس النواب محمد ريكان الحلبوسي وانهاء عضوية النائب ليث مصطفى حمود الدليمي اعتباراً من تاريخ صدور الحكم في 14\11\2023 قراراً باتاً وملزماً لكافة السلطات.
يذكر أن الدليمي، رفع الدعوى ضد الحلبوسي بتهمة التزوير، بعد أن أقال الحلبوسي الدليمي من البرلمان، حيث أعتبر الدليمي أن نسخة إقالته التي وقعها الحلبوسي "مزورة"، وهو ما أثبتته المحكمة الاتحادية الآن.
يشار إلى أن الدليمي، كان أحد قيادات حزب تقدم، وهو حزب الحلبوسي، لكن حدث اختلاف بين الدليمي والحلبوسي، ما دفع الأخير إلى فصله من صفوف الحزب ومن ثم إقالته من البرلمان.
وفيما يخص الانتخابات، التي من المفترض أن تجرى في 18 من الشهر المقبل، لكنها تستوجب التصويت أولا على تمديد عمل مفوضية الانتخابات بسبب إنتهاء دورتها الرسمية، وهو ما كان مخططا أن يجري في جلسة يوم أمس، عندما صدر قرار المحكمة الاتحادية، فأن البرلمان لم ينتظر طويلا، فأعلن جدول أعمال جلسة اليوم الأربعاء، للتصويت على تمديد عمل مفوضية الانتخابات عبر تعديل قانونها، على أن تكون برئاسة النائب الأول محسن المندلاوي.
المحلل السياسي ماهر جودة، يرى خلال حديث لـه، في هذا الصدد، أن "قرار المحكمة الاتحادية سوف يخلق خارطة سياسية جديدة في العراق، خصوصاً وأن هذا القرار جاء مع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات، ومع وجود نوايا لتمديد عمل مجلس المفوضية من قبل البرلمان".
ويؤكد أن "اختيار رئيس جديد لمجلس النواب، لن يكون بالأمر السهل، خصوصاً في ظل الصراع السني السني على الزعامة وتصدر المشهد"، مستطردا أن "القول الفصل بترشيح بديل الحلبوسي سيكون للكتل الشيعية، فهي من ستحدد دعم أي مرشح للمنصب بعد أن تعلن كل كتلة سنية مرشحيها".
حزب تقدم، وفي بيان له قرر اتخاذ خطوات عدة، عقب إقالة رئيسه الحلبوسي، وهي مقاطعة اجتماعات ائتلاف إدارة الدولة واستقالة ممثلي الحزب من الحكومة وهم وزراء التخطيط والثقافة والصناعة المعادن، واستقالة اعضاء اللجان النيابية ونواب رئيسها ومقاطعة جلسات البرلمان.
وخلال العام الماضي، تجدد الحديث كثيرا عن إقالة الحلبوسي من منصبه، من قبل الأطراف السنية المعارضة له، والتي تتوزع بين تحالف العزم بقيادة مثنى السامرائي وبين ضغط قيادات سياسية من الأنبار.
جدير بالذكر، أن تحالف العزم بقيادة السامرائي، تشكل بعد الانشقاق عن تحالف عزم بقيادة خميس الخنجر، عندما قرر الأخير التحالف مع حزب تقدم بقيادة الحلبوسي وتشكيل تحالف السيادة، وهو ما رفضه السامرائي نظرا للعداء مع الحلبوسي، فانشق إلى جانب نحو 15 نائبا وأنضم للإطار التنسيقي.
يذكر أن الحلبوسي، وفي أيلول سبتمبر 2022، أي بعد استقالة نواب الكتلة الصدرية وتأدية النواب البدلاء لليمين الدستورية، قدم استقالته من منصبه، في خطوة لتجديد الثقة له من قبل النواب البدلاء، وهو ما تحقق وصوت البرلمان على رفض الاستقالة في حينها.
إلى ذلك، يرى الخبير القانوني، سالم حواس، خلال حديث لـه، أن "الدستور العراقي النافذ نص في مادته الـ94 على أن قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة، بالتالي لاتخضع هذه الاحكام للاستئناف أو التمييز أو تصحيح القرار، كما هو شأن بقية المحاكم".
ويلفت حواس، إلى أن "أحكام المادة 93 من الدستور نصت على اختصاص المحكمة الاتحادية العليا هو أولا، الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وثانيا، تفسير نصوص الدستور، وثالثا، الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والأنظمة والتعليمات، والاجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية".
ويستطرد أن "البرلمان سبق وأن صوت بالأغلبية على رفض استقالة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وصوت على تجديد الثقة به، عندما كان العدد الكلي للمصوتين 235 نائبا، ووافق على الاستقالة 13 نائبا فقط ورفضها 222 نائبا، وفي حينها قدم الحلبوسي استقالته من منصبه في أحدث تطور ضمن الأزمة السياسية آنذاك، التي حالت دون تشكيل الحكومة الجديدة، وكان الأفضل للحلبوسي أن يستغل تلك الفرصة الذهبية قبل وصوله لهذه الحالة".