26 May
26May

فتحت حادثة رحيل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي المفاجئة، أبواب التساؤل حول ما يتعلق بشكل الحكومة الإيرانية الجديدة، وطبيعة العلاقات الخارجية بدول المنطقة والعالم، لاسيما العراق، الذي تنشط فيه فصائل مسلحة مشتركة في الحكومة العراقية، وتحظى بدعم الحرس الثوري الممسك بمقاليد الحكم في إيران، حيث يجمع مراقبون للشأن السياسي والإقليمي، على أن السياسة الخارجية لإيران ستبقى ثابتة في جميع الاتجاهات، كونها تتبع قرارات مركزية عليا.
ولقي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، وحاكم محافظة أذربيجان الشرقية مالك رحمتي، ورئيس وحدة حماية رئيس الجمهورية سردار سيد مهدي موسوي، وقوة من فيلق أنصار المهدي، بالإضافة إلى طيار ومساعده، مصرعهم، بتحطم مروحية كانت تقله مساء يوم الأحد الماضي (19 أيار مايو الحالي) شمال غرب إيران.
ويقول المحلل السياسي المختص بالعلاقات الدولية خالد عبد الإله، خلال حديث لـه إن “طبيعة العلاقات العراقية الإيرانية ستسير في مجرياتها، كوننا نتحدث عن اتفاقيات ومعاهدات يمكن توقيعها من رئيس الجمهورية أو غيره وهذا لا يعني أنها لا تعد سارية المفعول أو تلغى في حال استبدال رئيس الجمهورية”.
لا تغيير
ويضيف عبد الإله، أن “مسألة الحديث عن مجيء شخصية تمثل التيار المحافظ أو الإصلاحي هو خيار متروك للشعب الإيراني، والدستور الإيراني أشار إلى آلية إدارة الدولة في حال حدوث طارئ يتعلق برئيس الجمهورية، وأن يتولى نائبه الحكم لحين إتمام الانتخابات”.
ويتابع “كما أن طبيعة العلاقات الإيرانية سواء بالمحيط الإقليمي أو الدولي والعراق تحكمها الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الاستراتيجية وهذا يعني مجيء رئيس جديد لا يغيّر كثيرا من طبيعة العلاقات والدعم للعراق أو سوريا ولبنان وحتى اليمن”.
ويشير المحلل السياسي المختص بالعلاقات الدولية، إلى أن “العلاقات الثانوية لإيران مع بعض الدول قد تتأثر وتتغير في ظل الحكومة الجديدة، أما مسألة الحديث عن الدعم الخارجي بالنسبة لحكومة محمد شياع السوداني، فهو من مصلحة كل البلدان التي لديها علاقات مع العراق، ومن مصالح البلدين أن يكون هناك دعم متبادل وأشكال الدعم تختلف بكل تأكيد فقد يكون سياسي أو أمني أو اقتصادي وفقا لما يؤمن مصالح البلدين”.
ويعد إبراهيم رئيسي ثامن رئيس لإيران، وقد انتخب عام 2021 خلفا للرئيس حسن روحاني، وتولى رئيسي مناصب عدة في المؤسسة القضائية قبل أن يصير رئيسها، وقد نسج علاقات قوية مع المرشد الإيراني علي خامنئي، الذي اختاره في العام 2016 مسؤولا عن مؤسسة “آستان قدس رضوي”، وهي مؤسسة وقفية دينية لها ميزانية تقدر بمليارات الدولارات، وتمتلك أكثر من 30 من الشركات والمصانع والمناجم، ولها أذرع اقتصادية متعددة ومتنوعة.
فراغ اللهيان
من جهته، يوضح المحلل السياسي السعودي عبد الله عسيري، خلال حديث لـه، أن “إيران دولة جارة وما حصل للرئيس الإيراني مأساوي، لكن ليس له تأثير على الوضع الإيراني، فمنصب رئيسي رمزي، والمرشد الأعلى في إيران هو من يقود البلاد والسياسة العامة بأكملها”.
ويؤكد عسيري، أن “الوضع الإقليمي أيضا لن يتأثر في حال استبدال الرئيس الإيراني، وعلى الرغم من أن أحد الضحايا هو وزير الخارجية أمير عبد اللهيان، الأمر الذي سيولد فراغا مؤقتا في التواصل المرحلي، إلا أنه لن يكون ذا تأثير كبير على إيران أو دول الجوار، كون طهران محكومة بدستور وتوجه عام يقوده المرشد وتم بالفعل تكليف أحد مساعدي الرئيس الراحل بإدارة منصب الرئاسة وأيضا وزير الخارجية”.
وعن العلاقات السعودية الإيرانية، يلفت إلى أنها “ستبقى كما هي بالنسبة للاتفاقيات التي وقعت بكفالة الصين وضمانتها، ولا يوجد مؤشر يقول إن غياب الرئيس سيخلق جوا مختلفا، كما أنها علاقات مقبولة ومتوقع لها مزيد من التقدم في قادم الأيام، كونه لم يعد هناك أي فرصة لإيران سوى الانسجام مع الدول العربية من أجل مصلحة الجميع”.
ويشدد المحلل السياسي السعودي، على أنه “لو لم يوجه المرشد الإيراني بالتهدئة مع السعودية وتقارب العلاقات والمصالح لما فعلت أي شخصية إيرانية ما وصلت إليه العلاقات الإيرانية السعودية الحالية، فإيران تضررت كثيرا بسبب تقاطعها مع الدول العربية، والجماعات المسلحة كان لها دور سلبي على إيران أكثر من غيرها”.
وبحضور رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، دفن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في مدينة مشهد، أمس الأول الخميس، بعد 4 أيام من مصرعه، حيث شارك الآلاف في تأبينه خلال نقل نعشه عبر الشوارع، وتولى محمد مخبر، الذي كان النائب الأول للرئيس، منصب الرئيس المؤقت حتى إجراء الانتخابات في حزيران يونيو المقبل.
وتتطلع إيران اليوم لرئيس جديد، خلفا لرئيسي، بينما تتطلع دول الإقليم، ومنها العراق إلى خليفة الرئيس الإيراني الراحل والسياسة التي ينتهجها، والتي يتوقع أغلب قراء المشهد أنها مرسومة سلفا من قبل المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي.
سلطات مطلقة
إذ يؤكد، من جهته، مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، خلال حديث لـه أن “السياسة الخارجية الإيرانية في الدستور الإيراني هي من اختصاص الولي الفقيه علي خامنئي، وهو من يمتلك صلاحيات مطلقة طبقا للدستور وكذلك بوصفه القائد العام للقوات المسلحة، وبيده حصرا قرار السلم والحرب بحكم قيادته للجيش والحرس الثوري وفيلق القدس المسؤول عن العمليات الخارجية السرية، لذا أن السياسة الخارجية لن تتغير بغياب الرئيس إبراهيم رئيسي”.
ويضيف فيصل، أن “المفاتيح الاستراتيجية للسياسة الإيرانية وكل ما يتعلق بالتنمية الشاملة ومواجهة العقوبات الاقتصادية والعلاقات مع الصين وروسيا والموقف من الولايات المتحدة هي مواقف يتم تبنيها من الإمام خامنئي وتعمل الحكومة الأجهزة المعنية على تنفيذ التوجيهات بدقة متناهية”.
وعن تقييمه لأداء رئيسي، بالمقارنة بالرئيس الأسبق حسن روحاني، يردف: “لا نستطيع أن نذهب لمواقف مختلفة بين رئيسي وروحاني والدليل أن الأخير على صعيد سياسته الخارجية ووزير خارجيته آنذاك محمد جواد ظريف تأتي ضمن إطار التوجيهات المحددة من قبل المرشد الأعلى”، لافتا إلى أن “رئيس الوزراء لا يتمتع إلا بسلطات تنفيذية إدارية للسياسة المرسومة من قبل خامنئي بوصفه قائدا عاما للمقاومة الإسلامية”.
ويشير مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، إلى أن “هذه السلطات المطلقة هي التي أعطت الضوء الأخضر للمفاوضات النووية وهي التي سمحت بالتوقيع على اتفاقية في الملف النووي، وسمحت بالدور العسكري في سوريا ولبنان وكذلك دعم الفصائل في العراق، لذا لن يكون هناك تغيير في السياسة الخارجية أو فروق بين سياسة روحاني أو رئيسي أو ما يأتي بعدهم باستثناء الدور الشخصي في إدارة وتنفيذ الموقف والاستراتيجية العليا للدولة”.
وكان وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف، قد قال في اليوم التالي لحادثة تحطم الطائرة الرئاسية، إن الولايات المتحدة الأمريكية هي المتسببة في سقوط مروحية الرئيس لأنها فرضت عقوبات على قطاع الطيران في إيران ومنعت إدخال قطع تحديث الطائرات، كما حمّل رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين، المسؤولية أيضا بسبب الحرب العراقية الإيرانية التي دامت لثماني سنوات وانعكست آثارها على الأوضاع الاقتصادية في إيران.
علاقة روحية
وفي السياق، يبين المحلل السياسي الإيراني حسين الدايني، خلال حديث له أن “علاقات الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع الدول العربية والإسلامية ودول الجوار وخصوصا العراق الذي تربطه بالجمهورية علاقات أخوية ودينية وتجارية وثقافية وسياسية، لن تتغير بعد رحيل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، خاصة وأن طهران تولي اهتماما خاصا بالعلاقة مع العراق الشقيق والذي يمتد جغرافيا مع محور المقاومة ضد الكيان الصهيوني”.
ويردف، أن “العلاقة الدينية الكبيرة بين البلدين تنبع من وجود مراقد الأئمة في النجف وكربلاء وسامراء وكذلك في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فهناك علاقة روحية قبل أن تكون سياسية”.
أما عن التفاهمات والاتفاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين، يعتقد أنها “ستستمر وبوتيرة عالية، والتفاهمات بين البلدين لا تخضع لوجود رئيس ذي اتجاه سياسي معين بل أنها سياسة الدولة الخارجية التي تهدف إلى أقوى العلاقات مع دولة العراق الشقيقة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية والسياحية والدينية”.
ويستدرك المحلل السياسي الإيراني، أن “دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية للعراق وحكومته لا تخضع لتوجهات الرئيس أو أي مسؤول بالخارجية، فسياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالنسبة للعراق تخضع لتوصيات وإرشادات قائد الثورة الإسلامية علي خامنئي”.
يشار إلى أن العديد من الأحزاب والحركات السياسية العراقية الشيعية والكردية ترتبط بعلاقات وطيدة مع إيران منذ عهد النظام العراقي السابق فيما كان يُعرف حينها بـ”المعارضة” التي كان الكثير من قياداتها يقيمون في إيران، وفيما بعد العام 2003 ارتبطت معظم الفصائل المسلحة العراقية بطهران التي أمدتها بالسلاح والمال والتدريب والدعم اللوجستية.
ويتفق المحلل السياسي فلاح المشعل، مع وجهة النظر السابقة، عازيا سبب عدم تأثر العلاقات الخارجية لإيران برحيل رئيسي، إلى “وجود ترابط على مستويات عديدة، ولعل أهمها الترابط العقائدي بين الفصائل والأحزاب الموجودة في السلطة والبرلمان مع إيران، حتى أن البعض يعتبرها المرجع الحقيقي لها، لذا لا أظن أن خليفة رئيسي، سيغير منهجه، لأن هذه المنهجيات الأساسية مرسومة من مكتب المرشد الأعلى”.
ويضيف المشعل، أن “أي رئاسة جديدة لن تعمل بمعزل عن التوجيهات المركزية الصادرة عن مكتب المرشد، وهذا أمر معروف لدى إيران لاسيما في علاقاتها الخارجية مع دول العالم، فعندما جاء رئيسي لم يغير من الدور الذي أداه روحاني في طبيعة العلاقات الخارجية”، لافتا إلى أن “وظائف رئاسة الجمهورية هناك محددة، فهناك أيضا الحرس الثوري وله علاقاته التي يرسمها مع الدول الأخرى، أما العلاقات الرسمية البروتوكولية، فهي وظيفة رئاسة الجمهورية والخارجية الإيرانية”.
ووفقا للمادة 113 من الدستور الإيراني، يعتبر رئيس الجمهورية أعلى مسؤول رسمي في البلد بعد منصب المرشد، كما تنص المادة 131 من الدستور الإيراني على أنه إذا توفي الرئيس وهو في منصبه، يتولى نائبه الأول المنصب، بتأكيد من الزعيم الأعلى، الذي له القول الفصل في جميع شؤون الدولة، ويتولى مجلس يتألف من النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس السلطة القضائية ترتيب انتخاب رئيس جديد خلال مدة أقصاها 50 يوماً.
تأثير دائم
غير أن المحلل السياسي علي البيدر، يرى من جهته، خلال حديث لـه أن “الاستراتيجية التي تعتمدها إيران ثابتة إلى حد كبير، لكن كاريزما رئيسي قد تختلف بالنسبة لغيره، فانتماؤه إلى تيار المحافظين يعطي طابعا معينا على طبيعة الأداء السياسي لإيران داخليا أو خارجيا”.
ويشير البيدر إلى أن “ما سيتغيّر، هي أولويات النظام في إيران بعد رئيسي، فهل ستهتم إيران بالشأن الداخلي؛ تقوية اقتصادها، برنامجها النووي، الإصلاحات، أم أنها سوف تواصل تصدير الثورة والنفوذ في المشهد الإقليمي أو الدولي؟، فمن سيخلف رئيسي هو من سيتحكم بهذه الأولويات أو طريقة إدارته لها”.
وفيما يرجح أن “الحكم سيبقى ضمن تيار المحافظين في إيران”، يؤكد في ما يخص العراق، أن “التأثير سيكون حاضرا دائما، وربما يأتي رئيس صديق للعراقيين ويسعى لتحسين الصورة التي تحاول إيران إنتاجها، ومن هنا يمكن أن ينتج واقع جديد من العلاقات مبني على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، فإيران لن تتخلى عن العراق والعراق رغم ذلك ما زال بحاجة لها سواء على مستوى الطاقة، أو ما يتعلق بالجوانب الاقتصادية المتعلقة بالمنتجات الإيرانية”.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة